يسألونك عن الغباء قل هو موجود في مرافعات مبارك ورجاله أمام المحاكم، في أحاديث الإخوان وأنصارهم على المنصات، في اللقاءات التليفزيونية لوكلاء الأجهزة السيادية السابقين، في الإطلالات اليومية للواءات السابقين، في التصريحات الصحفية للوزراء والمحافظين، وفي كلمات كثير ممن كانوا يتطلعون لتولي الرئاسة.
لثورة يناير كثير من الفوائد لكن أحد أهم فوائدها على الإطلاق أنها جعلت من يحكمونا ومن يرغبون في حكمنا يتكلمون، ومع الجملة الثانية في حديثهم يتكشف فورا جهلهم وضحالتهم وسطحيتهم وضعفهم.
يفرض الصمت كثيرا من الهيبة علي صاحبه، وإذا كان هذا الصمت مصحوبا بطلّة هليودية ومراسم وتشريفات وحراسة ومواكب تتحول الهيبة إلى رهبة من قدرات ومواهب وذكاء هذا المختبئ خلف نظارة الشمس الثمينة، لذلك حرص رموز نظام مبارك على عدم الحديث إلا من أوراق مكتوبة وبعبارات منتقاة، وإذا اضطروا للظهور مرة كل عدة أعوام على التليفزيون الرسمي يكون ذلك وفق أسئلة وإجابات معدة سلفا ومحاور لا يريد من الحوار إلا صورة مع المسؤول الكبير يضمها إلى أرشيفه.
تحدث الإخوان كثيرا قبل وصولهم إلى الحكم نعم، لكنهم لم يقولوا كل شئ، وظل كثير من كلامهم مختفيا في الصدور لعدم تخويف الناس منهم أو لفت أنظار السلطة إليهم، لكنهم أظهروا جزءا منه بعد وصولهم إلى السلطة، وأظهروا الجزء الآخر بعد سحبها منهم، وكان تأثير خطاب واحد لصفوت حجازي أو عصام العريان أو محمد البلتاجي ينجح فيما فشلت فيه كل مخططات الدولة لتشويه الجماعة عبر عقود.
استرجع اللقاءات التليفزيونية لعمر سليمان قبل وفاته واسأل نفسك كيف كان يدير رجل بهذه السطحية جهازا بحجم المخابرات العامة؟، استمع لمرافعة حبيب العادلي عن نفسه وحديثه عن البرادعي الذي أسقط الدولة ووائل غنيم الذي نفذ المؤامرة، وعن تسجيله المكالمات العاطفية لتعرف إجابة سؤالك الدائم عن فشل الجهاز الأمني وعدم كفاءته، ابحث على اليوتيوب عن خطبة محمد مرسي أمام أنصاره في الاتحادية لتأسف على جلوسه على رأس السلطة لمدة عام، تابع خطابات السيسي ولقاءاته كلها لتتأكد من قدرة الإعلام على تسويق الفراغ.
***
في كتابه «الغباء السياسي.. كيف يصل الغبي إلى كرسي الحكم» تناول الصديق المبدع محمد توفيق أسباب وصول الأغبياء إلى السلطة مؤكدا أن الغباء السياسي يبلغ ذروته حين يصير العسكري حاكما، إذ يختزل الدولة في شخصه، فيجعل من نفسه وصيا على الشعب، ومسؤولا لا تمكن مساءلته.
ويؤكد الكتاب أن هناك 4 طرق شهيرة وتاريخية يمكن أن يصل بها غبي أو متغابٍ إلى كرسي الحكم في مصر، أولها توريث الحكم للابن، والثانية تولي نائب الرئيس المنصب بعد وفاة الرئيس الذي اختاره أصلا لكونه غبيا وخادما، والثالثة بعد ثورة لم تكتمل نتيجة ظهور الشعور باليأس بين الجمهور وانتشار الفوضى مما يدفع الناس للقبول بأي شخص يوفر لهم الأمن، أما الطريقة الأخيرة فتأتي في حالة الرحيل والموت المفاجئ للرئيس دون أن يكون هناك اتفاق مسبق على خليفته، وهنا يخرج شخص لا يستشعر أحد فيه الغدر، بل يظن الجميع أنه غبي وتسهل السيطرة عليه.
سيكون محمد توفيق مضطرا لتوثيق السنوات الثلاث وإضافة أسماء جديدة كثيرة إلى كتابه بدت الغباوة من ألسنتهم وأعينهم، لكن السؤال المناسب هذه المرة لا يجب أن يكون: “كيف يصل الأغبياء إلى السلطة؟”، بل يجب أن يكون: “لما يقبل الناس بحكم الأغبياء؟” أو “هل يعرف الناس أصلا أن من يحكمهم غبي؟”، فإذا كان من حق الغبي السعي للسلطة والتمسك بها، فلا شيء يجبر الشعوب على القبول بحكم الأغبياء.
0 التعليقات:
Post a Comment