صورة ارشيفية

منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وربما قبل ذلك، كنا نقرأ عن تحضير حلف "الناتو"، وأمريكا بشكل خاص لمرحلة، ما بعد "الاتحاد السوفيتي"، فالساحة العالمية ستخلو من عدو إستراتيجي لأمريكا، تستطيع من خلال وجوده تبرير وجود الترسانة العسكرية الذرية والكيميائية والبيولوجية والتقليدية الهائلة التي تمتلكها، وتستطيع أن تكون (القوة العظمى) الوحيدة في العالم.

كان الحل الأمثل حينها هو إيجاد عدو جديد، لكنه ضعيف قياسا إلى الاتحاد السوفيتي، يمكن السيطرة أو القضاء عليه في أي وقت.

ويمكن تضخيم خطر هذا العدو إعلاميا أو عن طريق القيام بعمليات كبرى ونسبتها له، وقد اعترف "زبغنيو بريجنسكي، مستشار "كارتر" للأمن القومي، ف حديث طويل مع مجلة "لا نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية (وهو يتكلم عن أنهم جعلوا الاتحاد السوفيتي يذوق في أفغانستان مرارة الكأس التي شربوها هم في فيتنام)، عندما سئل: هل تعرف أن ذلك معناه أنكم أعطيتم السلاح للمتشددين الذين أصبحوا أعداء لكم؟.. إنكم خلقتم بذلك صورة (الإسلام المتشدد)، فأجاب بريجنسكي: أيهما أفضل للغرب، انهيار الاتحاد السوفيتي أم ممارسة الإرهاب بواسطة بعض الجماعات الإسلامية؟ أيهما أخطر على الغرب، طالبان أم الاتحاد السوفيتي؟

ومن هنا بدأ فن صناعة الجماعات المتشددة في العالم بداية من طالبان، ومرورا بالقاعدة وانتهاء بداعش، لكن الحركات الجهادية نمت بشكل أقوى من ذي قبل، وبدلا من "قاعدة" واحدة في 2001، الآن يوجد عدد كبير من الجماعات شبيهة القاعدة، بل أقوى وأكثر عددا وعدة.

من التحركات اليومية ورد فعل أمريكا وتعاملها مع المتغيرات جراء تحركات داعش، نلمس ما هو موجود تحت القبة الأمريكية بشكل خاص، وما تفكر فيه من حيث نظرتها إلى داعش وحدودها ومهامها والأهداف التي يمكن أن تحققها لأمريكا وسياساتها ومخططاتها المستقبلية بشكل متقن دون أي خطأ محتمل.

والأهم هنا ألا ننسى، بل يجب أن نعرف أن داعش جزء من الصراع الأمريكي الروسي أيضا، والذي برز إلى حد ملحوظ أخيرا، وسيُدفع هذا التنظيم إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية الضحية هذه الشعوب البريئة التي تعاني من الحروب والويلات منذ عقود مضت، فهل تنقصها المآسي والويلات والجور كي تستمر الحال لعقود أخرى.

تستعمل داعش كملقط بيد المخابرات العالمية لخلق الصورة التي رسمتها للمنطقة من أجل مصلحة اليانكي وأجيالهم المدللين على حساب أطفالنا الأبرياء، فهل يصح أن نقول هذا قدر شعوب المنطقة، أم أنه نتاج عقليتهم وتخلفهم وترسبات تاريخهم واستغلالهم من قبل القوى العالمية دوما.

فهناك مواقف غير اعتيادية في السياسة الأمريكية الحالية في العراق وسوريا تجتذب اهتماما أقل من المتوقع كثيرا، ففي الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بقصف مقرات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في العراق، وترسل مدربيها ومستشاريها إلى الحكومة العراقية والأكراد لقتال "داعش"، تفعل العكس تماما في سوريا، فالولايات المتحدة لا تفعل أي شيء حيال "الدولة" التي تسيطر على قرابة ثلث الأراضي السورية بما في ذلك معظم منشآتها النفطية.

لكن الولايات المتحدة والسعودية ودول أوروبا الغربية وبقية دول الخليج، جميعهم يرغبون في إسقاط نظام الأسد في سوريا، وهو يرون أن "داعش" تريد تحقيق الهدف نفسه، ولذلك فإن بعضهم يدعمون "المعارضة المعتدلة" في سوريا.

لكن رغم أن الولايات المتحدة تدعم النظام العراقي ضد "داعش"، فإن أحد أسباب قوة "داعش" في العراق هو قوتها في سوريا، إذ إن دعم المجموعات المقربة من "داعش"، أو التي استطاعت "داعش" ضمها في صفوفها أو حتى الاستيلاء على عتادها بعد هزيمتها، بالإضافة إلى فتح الحدود العراقية السورية، كل ذلك يجعل قوة "داعش" في العراق من قوتها في سوريا، والعكس صحيح أيضا.

ومن خلال سياستها المتناقضة في العراق وسوريا عززت الولايات المتحدة من قوة "داعش"، والآن يحاول الساسة الأمريكيون الإلقاء باللائمة كاملة على رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والحكومة العراقية الطائفية، وهذا ربما يبدو صحيحا بشكل جزئي، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة قامت بخلق واقع لـ"داعش" يمكنها في البقاء على قيد الحياة، بل النمو أيضا.

لم يعترف الساسة ولا الإعلاميون في الغرب بالارتفاع المهول في قوة الجهاديين في العراق وسوريا إلا مؤخرا، والسبب الرئيسي لذلك التأخير، هو أن الحكومات الغربية تحدد التهديد الجهادي بتنظيم القاعدة، وهذا يتيح لهم تقديم صورة شديدة التفاؤل في تقديمهم لتقارير "الحرب على الإرهاب"، إذ إنهم يستطيعون القول بأن تلك الحرب تحقق نجاحات كبيرة عبر القضاء على قياديين في تنظيم القاعدة.

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -