"عناصر الشرطة كانوا يستخدمون البنادق الآلية بكثافة شديدة، وهذا ما رأيته بعيني".. هكذا أكد المصور الصحفي عمرو صلاح الدين، الذي حضر عملية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية من بداياتها.

رغم انهمار الرصاص كالمطر حولهم فى اللحظات الأولى من فض ميدانى رابعة والنهضة، إلا أن المصورين الصحفيين أبوا أن يتركوا الساحة، رغم علمهم بأن مجرد رفع كاميراتهم يعتبر جريمة عقوبتها هي القنص بالرصاص، كما حدث مع المصور الصحفى أحمد عاصم السنوسى، يوم مجرزة الحرس الجمهورى، حين قرر أن يلتقط صورة للقناص، وكذلك حبيبة عبد العزيز ومصعب الشامي وغيرهم.


مكثوا فى أماكنهم بثبات.. حملوا سلاحهم الذي لا يعرفون غيره، الكاميرا التي هي أقوى من الرصاص، انطلقوا بها فجر يوم الفض فى الميادين، دخلوها والجثث تتساقط من حولهم من كل جانب.. لحظات الرعب ومشاهد قاسية يرويها هؤلاء الشهود على المجرزه بميدانى رابعة والنهضة فى السطور القليلة القادمة.


يروى عمرو صلاح الدين ما شاهده يوم الفض وما تعرض له من صعوبات خلال تغطيته، قائلا: "وصلت محيط رابعة العدوية في حدود الثامنة صباحا بعد محاولات منذ السابعة للوصول إلى أية نقطة قريبة من الاعتصام، وكانت كمائن الداخلية تغلق جميع الشوارع المؤدية إلى محيط الاعتصام".


ويضيف: "تمكنت من دخول الميدان عبر نقطة بالقرب من شارع عباس العقاد، سماء مدينة نصر كانت غارقة في الدخان الأسود نتيجة لاحتراق خيم المعتصمين إلى جانب الإطارات التي أشعلها سكان المنطقة ومتظاهرون للتخفيف من حدة الغاز المسيل للدموع".


ويتابع: "حاولت التفاوض مع عناصر الداخلية وجلهم من المباحث وأمن الدولة بالإضافة للقوات الخاصة والأمن المركزي للسماح لنا بالدخول والتصوير، فتم منعنا، بالرغم من ذلك تمكنا من الدخول و"الاستعباط"، وكنا نقف خلف صفوف الداخلية.. الأسطح المحيطة كانت تعج بالقناصة، وتسليح عناصر الشرطة تنوع ما بين الرشاشات وبنادق الخرطوش وقنابل الغاز والمسدسات اليدوية.

ويكمل: "كان بعض الشباب المعتصمين يقذفون الحجارة من أعلى سطح مسجد رابعة العدوية، ورأيت ضابط شرطة يستتر خلف عامود إنارة.. ويصوب على أحد الشباب فأرداه قتيلاً، حينها التفت إليّ قائلا "انت كنت بتصورني؟" فأجبت بالنفي، وبالفعل لم أكن أصوره -للأسف- فقد كانت كاميرتي مصوبة على الشباب أعلى السطح لا على قاتلهم، فقال لي "لو صورتني وأنا بضرب هضربك انت".

ويتابع: من حين لآخر كنت أرى أفراد الداخلية يجرون صفا من الأسرى وينهال عليهم الجنود ضربا، ومنهم شيوخ ورجال كبار في السن.. أثناء وجودي رصدت أربعة إصابات في صفوف الشرطة ثلاثة منها بالخرطوش وواحدة بحجر في الرأس.. دماء المعتصمين كانت تملأ المكان، كنا أمام طيبة مول وما بعده، كذلك كانت هناك جثث معتصمين ملقاة في الشارع. كان ضرب الرشاشات يصل لأشده حين تتقدم مدرعات أو كاسحات الشرطة باتجاه المعتصمين، فكانت تتم تغطيتها بنيران كثيفة من رشاشات الداخلية.؟ المجندون كانوا في حالة هياج وكانوا يعتدون على الأسرى بالسب والضرب المبرح.

ودون محمد الشامي، مصور صحفي شهد فض اعتصام رابعة العدوية، شهادته حول هذا اليوم قائلاً: "مساء يوم ٩ أغسطس، ٢٠١٣ اتصل بي صديق يعمل مصور تلفزيوني في إحدى القنوات المحلية، قال لي: محمد، سيتم فض اعتصامي رابعة والنهضة غداً.. سارعت إلى اعتصام ميدان رابعة العدوية وكنت هناك من الساعة ١١ مساء حتى ٦ صباحا، لم يحدث شيء فمشيت.. اتصل بي نفس الشخص لمدة ٤ أيام، حتى يوم ١٣ اغسطس قال لي نفس الشيء.. في ليلة ١٤ تغيرت نبرة صوته وقال لي: أنا بتكلم بجد، هيفضوا رابعة والنهضة الصبح، صراحة لم أصدقه لكني ظللت مستيقظا، حوالي الساعة ٥ صباحا بدأت أقرأ عن تحركات لقوات الشرطة والجيش نحو الميدان".


وتابع: "سارعت إلى مكتب الوكالة التي أعمل بها، ومنها ذهبت إلى ميدان رابعة العدوية، دخلت حوالي الساعة ٦:٣٠ صباحا، كيف دخلت؟ لا أعرف.. تم تحذيري من العديد من الزملاء من تعريض نفسي للأذى، أو المخاطرة، لكن القدر محتوم".
ويستطرد: "بدأت التصوير عند مدخل طيبة مول، متظاهر أعزل حاول حمايتي (رغم اني أرتدي واقي رصاص كامل وخوذة) كان يقول لي "بالله عليك وري الناس الجيش بتاعنا بيعمل فينا ايه" بعدها تلقى رصاصة في رأسه، وسقط على الفور!.. بقيت هناك لساعات عديدة، لأتوجه إلى "المستشفى الميداني" بعد ذلك، أو إلى "مشرحة رابعة العدوية" إن جاز التعبير، وجدت الكثير من الجثث. بعدها طلب مني أحد الأطباء الخروج ليجدوا مساحة يضعون جثمان متظاهر لقى حتفه".


وتحدث الشامى عن أقسى اللحظات التى عاشها فى هذا اليوم قائلاً: "بعد أن غادرت الميدان رأيت مدرعات عسكرية متجهة لرابعة العدوية، كان من أقسى المشاهد التى رأيتها، مصريون يهللون على أنغام الأغاني ويطالبون جنود الجيش والشرطة بقتل المعتصمين قائلين: خلصونا منهم يا باشا.. كان هذا يوم وفاة الإنسانية وانتشار الفاشية بالنسبة لي عند الشعب المصري".


ويستكمل المصور الصحفى شهادته: "ذلك اليوم، ذاك الأربعاء، بدأت أبكي تلقائيا، بدون أن أشعر أني أبكي، بعدها بيوم أرسل لي صديقي علاء القمحاوي صورة لي، وقتها فقط عرفت أنني كنت أبكي! غطيت العديد من الأحداث التي قد تصنف "أحداث عنف" أو "دموية" داخل مصر وخارجها. لكن جريمة فض اعتصام رابعة العدوية أعنف شيء رأيته في حياتي.. أومن أن هذا العالم غير عادل، شاهدت مجزرة رابعة العدوية وعمري ١٩ عاما، لكن بداخلي أمل بسيط جدا، أن أرى من خطط ونفذ عمليات قتل المصريين، إن كانوا من لقوا حتفهم من "عملاء/خونة" التحرير في "انتفاضة ٢٥ يناير" كما أحب أن أسميها أو "أحداث ٢٥ يناير" كما يسمونها. من كوبري قصر النيل، إلى مسرح البالون، إلى ماسبيرو ومحمد محمود، إلى "ارهابيي" اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، أمام العدالة، أملى أن أرى العدالة وأنا على قيد الحياة.


وتابع: أخي مصعب الشامي، كان في نفس السيارة التي أقلتنا إلى منزلنا، قرأت قبل فرض حظر التجوال بدقائق "استشهاد مصعب الشامي" كان معي في نفس السيارة، المقعد الخلفي، لكن قُبض قلبي من الرعب، رحم الله مصعب الشامي.. بعدها علمت باعتقال عبدالله الشامي، وأنها "إجراءات وهيطلع" لكن استمرت الإجراءات ١٠ أشهر".




(الحسينى).. هو أحد المصورين الصحفيين ممن كانوا يغطون الأحداث ليلة الفض بميدان رابعة.. بدأ يروى ما حدث معه فى هذا اليوم فيقول: "فوجئت بمديرى فى العمل يتصل بي ويطالبنى بأخذ أدواتى من ميدان رابعة لأن الفض سيكون اليوم.. بالفعل عدت لأحضر الأدوات ولكن بدأ الضرب، دخل أمامي مصاب بالمركز الإعلامى ولم نتمكن من مساعدته ولفظ أنفاسه الأخيرة".


ويتذكر الحسينى أبرز اللقطات التى التقطتها عدسته فى هذا اليوم قائلاً: "لن أنسى المشهد المدمر بالنسبة لى حينما دخل أحد الأشخاص المصابين وأمعاؤه تخرج منه وهم يحاولون إدخالها وفوجئت بالطبيب يتعامل وكأنها إصابة بسيطة مقارنة بباقى الإصابات الموجودة، كانت مشاهد الدماء هى المسيطرة على المشهد، والجثث تحيط بى من كل جانب، التقطت فى هذا اليوم العديد من الصور والفيديوهات، ومن بينها صور لـ3 أشخاص سقطوا بشكل متتال".


ويتابع: أثناء تواجدى بالمستشفى الميدانى حذرنى أحدهم من أن القوات تقوم بضرب المستشفى.. لم أصدقه إلا عندما رأيت الرصاص بنفسى يخترق النوافذ والجدران، وحينما أخذت قراراً بمغادرة الميدان بعد ساعات متواصلة من سماع دوى الرصاص، قررت أخذ كارت الذاكرة من الكاميرا، وترك معداتى بالكامل فى الميدان، وبمجرد وصولى إلى المنزل أخذت نسخة مما صورت تحسباً لأى مشكلة قد تحدث لى".

كواليس فض النهضة

لم يكن الوضع فى النهضة أفضل حالا من رابعة، ولكن لم يكن عدد الإعلاميين المتواجدين بهذا الميدان بنفس الأعداد المتواجدة فى رابعة، وكان عبد الرحمن واحداً منهم، أخذ يسرد لنا كواليس الفض فى هذا الميدان قائلاً: "كنت متواجدا من بداية الاعتصام ويوم الفض لم يكن يوجد سوى 3 مصورين كنت واحداً منهم، كان جميع من بالميدان نائماً منهكاً.. صلى المتظاهرون الفجر وكنت أستعد لتغطية مسيرات كانت من المفترض أن تخرج من الميدان فى هذا اليوم إلى مبنى المحافظة، وأثناء تحضير كاميراتى فى الساعة السادسة والنصف وجدنا الناس تتحدث عن وجود فض بالفعل، أخذت كاميرتى وخرجت لأرى الوضع، فوجدت مدرعات الجيش ومن خلفها مصفحات الشرطة، لم يكن هناك تنبيه بالنسبة لميدان النهضة، وفوجئت بالجرافات تدخل فى الحواجز التى كانت متواجدة مباشرة".


ويكمل: "أول ضرب بدأ فى الميدان كان من ناحية كوبرى الجامعة، ضرب الغاز كان بكثافة وسحابة الغاز والدخان غطت المكان فى أقل من 4 دقائق، بدأت مدرعات الشرطة تخترق الميدان عن طريق حديقة الأورمان، الجرافات دخلت تساعد من الجانب الثانى عند مدخل بين السرايات، أصبحنا محاصرين فى مكان صغير للغاية ونحن فى الوسط وصوت الرصاص يدوى فى أنحاء المكان، وكان العدد قليلا فى النهضة نظراً لأن الكثير من المعتصمين عادوا إلى منازلهم لإنهاكهم من المسيرة التى سبقت هذا اليوم، وكانت فكرة رفع الكاميرا ونحن وسط هذا الحصار شبه مستحيلة".


ويتابع: "كانت فكرة الخروج من بين السرايات أو مسجد الاستقامة أو كوبرى الجامعة بمثابة الانتحار.. فاضطررنا إلى أخذ آلات التصوير الخاصة بنا، واتجهنا إلى مبنى كلية الهندسة، وكان عدد من دخل هندسة حوالى 5 آلاف، وتعتبر المستشفى الميدانى أول مكان تم قصفه، من داخل هندسة حاولت أخذ لقطات من النافذه للجثث المحترقة، ولكن كلما عزمت على رفع الكاميرا من نافذة كنت أجد الرصاص يخترق النافذة التى أقف لأصور منها".


يقول عبد الرحمن: "امتلأت الكلية بالجثث والمصابين.. ليس معنا ما نسعفهم به، شعرنا أننا منعزلون عن العالم كمصورين ومواطنين وليس لنا كرامة بأن نمارس عملنا وشعرت بالعجز، وأصبحت ألجأ إلى مواقع التواصل وأرسل لمواقعنا الإخبارية، وتيقنا أننا لن نخرج من هذ المكان أحياء فأحضرنا أقلاما من أدراج الكلية وبدأنا نكتب أسماءنا على أيدينا فى ظل اشتداد الضرب ورؤيتنا لقوات الفض تحتفل بجوار الجثث المحترقة".


ويتابع: هدأ الضرب على المغرب وقررنا الخروج وقمنا بدفن الكاميرات الخاصة بنا فى حديقة كلية الهندسة.. وخرجنا ولكن لم يسلم الكثير من أيدى البلطجية".

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -