نزعوا ولده الأكبر منه وألقوا به فى غياهب السجون ، لم يكد حفيده خالد يستوعب غياب أبيه الأول حتى صدمه الغياب الثانى باعتقال أبيه ثانية ، ذهبت سناء الشقيقة الصغرى لعلاء وقرة عين والدها أحمد سيف الاسلام ترفع لافتة تطالب فيها بالحرية لشقيقها فاختطفوها من الشارع ولسان حالهم يقول إلحقى بأخيكِ فى السجن لا نريد أن نسمع أصواتا تطالب بالحرية


انفطر قلب الرجل على ولديه مثلما انفطر قبل ذلك على كل مظلوم وقف بجانبه ودافع عنه ، هو المدافع عن الغلابة والمناصر للمظلومين أيا كان انتماءهم وفكرهم ، لا يميز بين المظلومين ولا يعانى من ازدواجية بعض الحقوقيين ، هو مع الحق يدور معه أينما دار

وقف يخاطب ولده علاء وجيلنا وهو يتحدث عن أذرع الظلم وقال : عذرا يا ابنى عذرا يا هذا الجيل كنا نحلم ونطمح أن نورثكم مجتمع ديموقراطى يحافظ على كرامة الانسان لكن للأسف ورثتك الزنازين التى دخلتها ، نرجوا أن تنجحوا فيما فشلنا فيه وعذرا لم نستطع أن نحقق لكم ما كنا نطمح فيه !

رجل فضّل السجن خمسة سنوات فى قضية رأى وانتقام سياسى على أن يهرب خارج مصر ويعيش فى أجمل بلاد العالم مكرما وآمنا ، ولدت ابنته الثانية ( منى سيف) وهو فى السجن ولكنه منحها جينات الكرامة وحب الدفاع عن المظلومين فوهبت حياتها تجرى على الأقسام والنيابات والمحاكم من أجل أن تنصف مظلوما وتساعد أهله على تجاوز محنتهم

لم يفقد يوما بوصلته ولم تتغير انحيازاته فقد وهب حياته لرفع الظلم عن الناس ومقاومة الاستبداد ، فى كل العصور ومع تبدل الانظمة الحاكمة ظل عدوا لها لأنهم يريدون منه الصمت أو شهادة الزور وتبرير الانتهاك مثل آخرين باعوا ضمائرهم بينما ظل هو لا يعرف سوى الصدق والجهر بالحق مهما كان الثمن

حفر الزمان أخاديدا من الأحزان فى وجهه لكن بسمته الطيبة كانت تؤنسنا وتشعرنا بالثقة فى الانتصار ، لم تمنعه سنين عمره من التواصل معنا عبر وسائل التواصل الحديث ومداعبتنا حين يشعر أننا تعبنا أو اقترب منا اليأس بسبب الأحوال المتردية يوما بعد يوم

كان يقول دوما أن العدالة نهاية إلهية ستتحقق مهما طالت الأيام ، لم نعد ندرى هل هى عدالة حتمية فى الدنيا أم الأخرة ؟ فقد مات قديس الانسانية والعدالة تنتحر ، مات ناسك العدل وأولاده بعيدون عنه غيبتهم سجون النظام تحت دعوى تطبيق القانون ! وأى قانون هذا الذى يجعل التعبير عن الرأى جريمة ولا يسمح إلا لمن يدافعون عن حقوق الحيوان بالتظاهر أما من يتظاهرون من أجل حقوق الانسان يتم اعتقالهم إذا لم تتم تصفيتهم بالرصاص من البداية ! بئس الظلم وبئس الصمت على تكميم الأفواه

مات جسد أحمد سيف الإسلام ولكن روحه لم تمت ولن تتجسد فقط فى أبناءه المناضلين الثلاثة منى وعلاء وسناء بل سيحملها ملايين من جيلنا ومن الأجيال التى تأتى بعدنا ، إنها لعنة على الظالمين لن تتوقف ولظى سيحرق الاستبداد مهما اغتر واستعلى

ارقد فى سلام فقد أديت ما عليك وحملت الأمانة ، وجعلت واجبنا ثقيلا بعدك لكننا لن نضعف عن حمله والوفاء له ، كنت تتمنى أن يغمض عينيك علاء وسناء وتجدهما حولك ملازمين لك فى أخر لحظاتك بالدنيا ، لكنهم أبوا إلا أن تموت حزينا تفتقد ابنك وابنتك الذين لم يطلبوا يوما شيئا لأنفسهم بل طلبوا الحرية والكرامة والعدالة للناس

لن تبقى صفحات بلادنا هكذا بائسة موحشة بل سيتبدل الحال ليكتب التاريخ عن عائلتكم التى ضربت المثل فى التجرد والثبات على المبادىء ، موتك عظيما كحياتك ، موتك وأسرتك تصطلى بنار المحنة ذكرى حزن وعار ستبقى فى جبين الوطن لتلاحق الظالمين والصامتين والمهادنين الذين لن ينسوا يوما مشهد رحيلك وأولادك مختطفين ومعتقلين بسبب هوان هؤلاء وتأييدهم لسحق الانسان وسلب كرامته وحريته

نُشهد الله أنك ما خنت ولا فرطت ولا جبنت ولا هادنت ، نُشهد الله أنك لم ترض بشهادة الزور مثل ما فعل بعضهم وطبلوا للظلم والاستبداد ، جهرت بالحق طول حياتك فدفعت الثمن ودفعه أبناؤك ، سنمسح عن أعيننا الدموع وننفض عنا الوهن فما زال أمامنا معارك سنخوضها بلا كلل ولا ملل ، وفاؤنا لك أن نكمل ما بدأت ونرفع الظلم عن المظلومين ونبشر بالحرية والكرامة لكل المصريين

أيها الوطن مهما قسوت فلا نملك إلا حبك والانتماء إليك ، أيها الوطن مهما قتلوا أحلامنا فخلف كل حلم يموت أحلام تولد ، ارفعوا أذان العدل ودقوا أجراس الكرامة فالفجر قادم ولو بعد حين ..

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -