أصل الحكومات في الدول الطبيعية والتي يحكمها أقل العقل وأدنى الرشد، أن تضيف إلى حياة الناس، أن تؤمن للناس حياة كريمة وعيشة طيبة، أن توفّر لهم أمنًا وأمانًا، وخدمات تليق بآدميتهم وإنسانيتهم، وترقى باجتماعهم وعمرانهم، وتنهض بحاضرهم وتفتح سبل التقدم لمستقبلهم، أن تعين عاجزهم، وتمكن ضعيفهم، وتغني فقيرهم عن ذلة السؤال، ويأوي إليها الطريد، ويسكن إليها الشريد، وأن تؤمن مناخ العمل والإنتاج والصناعة والزراعة والتجارة والأرباح، حتى تكون أرض الوطن منافع لأهلها لا منافي، ومساكن لا مدافن وخصبا دائما لا غصبا ظالما.




هذه هي الحكومات التي عرفها التاريخ والواقع، والعقل والنقل، والعلم والعمل... أن الحكومة تنفق من الإيرادات العامة المعروفة على أنشطة وخدمات ومجالات معروفة. وبعد ذلك تنقسم الحكومات إلى رشيدة في إيراداتها ونفقاتها أو غير رشيدة، إلى صالحة تؤدي الأمانات إلى أهلها وأخرى يعشش في أركانها الفساد ويفرخ، إلى حكومات وطنية تعمل لصالح الوطن وأهله وأخرى تابعة أو زائفة إنما تعمل لمطامع نخبة خاصة أنانية المذهب، وربما لمطامح كيان خارجي مهيمن. أما ألا يكون الحد الأدنى من الوجود الحكومي قائما، وأن تكون المقاصد والوظائف والأدوار والمهام الأساسية التأسيسية للحكومة محل شك أو بالأحرى مفتقدة مضيعة..فيهلك الحرث والنسل ويضيع المال والولد، والشعب والبلد، واليوم والغد..




في مصرنا الغالية، وبعد كارثة انقلابية 3/7 المباركية لا المباركة، نعيش تجربة فريدة، لحكومة غير مسبوقة وربما غير ملحوقة: "حكومة عاوزستان" فى "دولة مافيشستان".. بدأها كبيرهم بالحديث عن (العوز)، وكان تعبيرا غريبا على خطابه الضعيف، ولم نكن نعلم أن هذا التعبير سيكون محور تسلطه وسلطانه، حتى تشملنا حالة حكومة عاوزستان




نحن أمام نموذج لحكومة قامت على الوعيد لا الوعود..حينما تخاطبه بالمطالب يبادرك بالرد الخائب الذي يراه مخرجا واحتيالا "أنا ماوعدتش حد" ،"مش أنتم اللى عايزنى" "انا بقى اللى عايز.." ، وحكومته تتوعد وتهدد لا تعد ولا تتودد، تتحدث باسم الشعب غصبًا عن الشعب، وتقتل الشعب باسم الشعب، وتفقر الشعب باسم الشعب، وتجوع وتعطش وتطفئ الأنوار توزع الظلمة وتشيع الغمة ويرتع فيها الظَلمة، وتعطل المصالح وتوقف الإنتاج، وتشرد الناس بهدم بيوتهم، وتستبيح سيناء كأنها أرض محتلة باسم الأمن القومي، وتعلن عن اختراعات ومشروعات ومفاجآت ولنضات وعربات وافتكاسات باسم العلم لا الفكاكة، والمؤسسية المنضبطة لا الكلام الفارغ، باسم البرنامج الانتخابي العبقري.. ثم لا تسمح بتعقيب ولا استفهام من زلمة (مش هاسمحلك يا أستاذ براهيم)!.




حكومة كلما طالبها الشعب بشيء قال قائلها: أنا اللي عاوز منكم.. عاوز منكم لصندوق 30/6، ثم صندوق (تعيا مصر) ثم صندوق مشروع الحفرة الناشفة، ثم صندوق الكهربا الناشفة، ثم صندوق عاوز .. وعاوز، وهاتدفع يعني هاتدفع، و.. لتقطع أي أمل لدى المواطن أن تقوم له بشيء مهما كان صغيرا أو ترعاه في شيء مهما كان من حقه.. حكومة عاوزستان لا تعرف حكومة خذستان أو حتى حكومة معانا بعض مايسر..بل هى حكومة جلب الضر.




حكومة جباية وتحصيل للإتاوات والفرائض اليومية: ارفع الدعم وادفع يا عم.. تموين، بنزين، سولار، كهرباء، مياه، غاز، عقارية، جمركية، عوايد، مصاريف مدرسية وجامعية، مراسيم الرسوم لا تنقطع، حتى لو لم تؤد الخدمة، ولم تصل كهرباء ولا مياه.. المهم النية الحسنة، ادفع بالتي هي أحسن.. حكومات غرامات: ادفع وافعل ما تشاء، ومن لم يدفع فالقوائم السوداء جاهزة، هاتدفع (وتتلزم بالقوانين تبقى صاحبي وحبيبي وكفاءة..).. حكومة عاوزستان تطلب من مواطنيها أن يوفروا لها الأمن، وأن يبلغ بعضهم عن بعض، وأن يؤمنوا هم بأنفسهم الممتلكات العامة.




حكومة عاوزستان خارج السؤال والمساءلة.. (اوعى تفتكر إنك هاتيجي بعد سنة وتسألني عملت إيه؟؟..)، (هو أنتم ماكنتوش عارفين إن هايحصل كده ولا إيه).. لا تطالبها بشيء فهي ليست مسئولة عن أي شيء، وانتظر منها الطلبات والأوامر والمطالبات، فأنت المسئول عنها، لا العكس.. وإياك أن تعلق على أدائها بسلب أو ما يشم منه رائحة سخرية.. إذا أظلم الوطن فلا تقل: منورة يا حكومة، وإذا جاع الوطن فلا تقل طابخة إيه يا حكومة، فالتعليقات والسخرية من الممنوعات المحرمات..حتى الكلمة الساخرة صارت مستنكرة ، والسخرية زاد المصرى إذا أعيته الحيل وضاق به المحل والحال وانقطع به الآمال، ولكن دوما طوعا خانعا خاضعا، قل لها: ماذا تعوزين سيدتي الحكومة.. حكومة عاوزستان!!




حكومة عاوزستان كل شيء عندها أسرار: الأمن القومي سر في بير، وبرنامجها الانتخابي سر أمني قومي ليس له نظير، والموازنة العامة سر خطير، ودراسات المشروعات سرية للغاية، وحلول الأزمات ليست من شغلكم أيها المواطنون من دافعي الضرائب والإتاوات، وتطبيقات الحد الأقصى لا يطلع على حقيقتها أهل الحد الأدنى..




حكومة عاوزستان لا تفرض دمها الثقيل على الجميع، فمناضلوها في الإعلام والقضاء والعسكر والعسس مبرأون من العوز والمطالبات.. هم فقط يباركون مص دماء الغلابة، وقهر المقهورين، وتفقير المفقرين، وكسر ظهور المساكين.. فمناطقهم منزهة عن انقطاع كهربائها إلا على سبيل إبراء الذمة، ومياههم معدنية لا حكومية، وزيت الدعم وأرزه وسكره بالنسبة لهم أطعمة غير آدمية.. ثم يتظاهرون بالمشاركة في صناديق مولد سيدى العاوز، ومن ورائهم حكومة عاوزستان: تهيء المناخ لاستثماراتهم وأرباحهم.. ففي دولة الانقلاب العوز لأهل العوز، وهم رعايا "حكومة عاوزستان"، والعنب لأهل العنب وهم رعايا "دولة عنبستان"..




إن خطاب حكومة عاوزستان وأداءها له غاية أساسية أن يحبط الآمال ويوقف التطلعات ويقمع التوقعات، بل يفتح الباب أمام تحميل الضعفاء مهمة تحسين أوضاع الأقوياء.. ولا أجد للانقلاب معنى بليغا أكثر من ذلك.. إنه انقلاب في نخاع الحياة والمعايش وفي لب العقل الذي نعرفه.







(خليني أكلمكم على اللي احنا عايزينه دلوقتي.. باختصار احنا بنتكلم ف 130 مليار جنيه.. والإنتاج عاوز 12-13 مليار دولار.. والمحطات عاوزة وقود كل سنة .. طبعا المستثمر عاوز الأول يضمن إن احنا نشتري منه الكهربا دي ثم نشتريها منه بثمن يكون مناسب ليه تجاري يعني.. يحقق له ربح لأن هو بيحط فلوس علىشان يجيله منها عائد.. هو عايز يبيع الكهربا أو يشتري الكهربا مننا احنا نبيعها بكم هو مش مسئول عن ده لكن هو معني إنه يبيعها لنا بالثمن التجاري الثمن الحر الثمن اللي يجزي بناء المحطة.. لازم نكون عارفين إن ده أمر لا يعالج بيوم ليلة وأنا بفكركم بالاتفاق والعقد اللي بيني وبينكم ... المشكلة دي عايزة كل المصريين يقفوا ويصبوا ويجاهدوا ويساعدوا.. خلي بالكم .. كنت ممكن أسكت لكن مايجيش بعد سنة يقولك انت بقى لك سنة عملت إيه؟).. بالعربى فى حكومة عاوزستان أنا عاوز من غير حساب وبدون حساب "حاجة على جنب كده" ، مطالبكم مالها عازة ، و"حكومة عاوزستان" بلا عازة.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -