أتعجب بالفعل من أمر علماء وباحثين مرموقين وأساتذة أكاديميين يشاركون فى مجالس ولجان أهل العلم والخبرة التى تشكلها هذه الأيام السلطة التنفيذية، ولا يشيرون فى أحاديثهم الإعلامية ومداخلاتهم العلنية من قريب أو بعيد إلى إلغاء نفس السلطة التنفيذية لاستقلال الجامعة المصرية وتداعيات ذلك الكارثية على البحث العلمى ونظم التعليم.
أتعجب من أمرهم، لأن علماء وباحثى وأساتذة مجالس ولجان السلطة التنفيذية (أو على الأقل العدد الأكبر منهم) حصلوا على شهاداتهم الجامعية الأعلى (درجة الدكتوراه أو شهادات ما بعد الدكتوراه) من جامعات ومعاهد أمريكية وأوروبية تتمتع باستقلالية كاملة، ولا تتدخل لا فى إدارتها ولا أعمالها جهات حكومية أو مؤسسات بيروقراطية أو أجهزة أمنية.
أتعجب من أمرهم، لأنهم راكموا خبراتهم العلمية والبحثية فى جامعات ومعاهد أمريكية وأوروبية لا يحتكر رأس السلطة التنفيذية (رئيسا كان أو رئيسا للوزراء أو مستشارا) قرارات تعيين رؤسائها ومديريها، ولا يمنح الرؤساء والمديرون هؤلاء صلاحيات مطلقة تمكنهم من فصل أعضاء بهيئات التدريس وموظفين إداريين وطلاب «لخروجهم عن الخط الرسمى» وتغريدهم خارج سرب الرأى الواحد والصوت الواحد المفروض من أعلى ــ من رأس السلطة التنفيذية.
أتعجب من أمرهم، لأنهم عملوا لعقود أو سنوات فى جامعات ومعاهد أمريكية وأوروبية تدافع عن حرية الإبداع وحرية الفكر وحرية التعبير عن الرأى باعتبارها نقاط ارتكاز البحث العلمى والعمل الجامعى الجاد، وترفض أن تتحول بها قاعات البحث والدرس إلى أماكن للمراقبة الأمنية لأعضاء هيئات التدريس وللطلاب، وتقاوم نزوع بعض الجهات والمؤسسات الحكومية لإسكات أصوات المعارضين السلميين فى أروقة الجامعات والمعاهد كما يرغمون على الصمت خارجها.
أتعجب من أمرهم، لأنهم يدركون أن ضياع دور الجامعات والمعاهد كساحات للإبداع وللفكر الحر وللتعبير الحر عن الرأى يذهب بالعقلانية والرشادة بعيدا عن الدول والمجتمعات المعنية، ويجردها من النقاش العام البناء والموضوعى والتعددى بشأن قضاياها المركزية ــ من تعميق حكم القانون والتوزيع العادل للثروة هناك وتجاوز الاستبداد وإنجاز التحول الديمقراطى وضمان الحقوق والحريات ومقاومة الإرهاب والعنف هنا.
أتعجب من أمرهم، لأنهم يعلمون علم اليقين أن إلغاء استقلال الجامعات والمعاهد يقضى على إمكانية التطوير الفعلى للبحث العلمى وفرص الارتقاء الحقيقى بنظم التعليم، ويذهب من ثم بالدور الإيجابى الممكن للجامعات والمعاهد فى دفع الدول والمجتمعات قدما والإسهام فى رفع معدلات التنمية الشاملة وتجاوز الأزمات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تعانى منها ــ ولهذا السبب تحديدا، تقول السلطة التنفيذية فى مصر إنها تشكل مجالس ولجان أهل العلم والخبرة.
أتعجب من أمرهم، ومن صمتهم عن الحق الذى اختبروه وأفادوا منه ويستكثرونه على مصر خوفا أو طمعا. أتعجب من أمرهم، ومن ابتعادهم عن المطالبة باستقلال الجامعة وحمايتها من الاستباحة والاستتباع من قبل السلطة التنفيذية وما راكموه من العلم والخبرة يلزمهم بذلك. أتعجب من أمرهم، من عقول قررت تعطيل المعايير العقلانية والرشيدة للحكم على الأمور ومن ضمائر تتجاهل قيمh أخلاقية وإنسانية رئيسية لا تقدم للدول والمجتمعات بدونها.
0 التعليقات:
Post a Comment