لا نملك فى مصر ولا تملك الشعوب العربية الأخرى ترف انتظار إخفاق الحرب الأمريكية الجديدة على الإرهاب. فوحشية ودموية التنظيمات الإرهابية المنتشرة فى بلاد العرب وتهديداتها المستمرة لحقوق وحريات المواطن وللمجتمعات وللدول الوطنية ومؤسساتها جميعها ظواهر تستدعى الفعل المتكامل والسريع للتحصين الداخلى ولاحتواء الانفجارات الإقليمية.

لا أجادل فى ضرورة المواجهة الأمنية، والعسكرية أحيانا، للتنظيمات الإرهابية فى المشرق العربى وفى اليمن وشبه الجزيرة وفى ليبيا وفى سيناء المصرية. لا أجادل أيضا فى أهمية التنسيق الأمنى والمعلوماتى مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الذين يشاركون فى «الحملة العسكرية» على داعش فى العراق وسوريا، ولا فى محورية أن توضع التنظيمات الإرهابية فى ليبيا على الأجندة الإقليمية والدولية بهدف منع انهيار أو تفتت الدولة الليبية وكذلك بهدف حماية وتأمين الجوار المباشر والحيلولة دون انتقال إجرام التنظيمات الإرهابية إلى مصر أو إلى تونس والجزائر.

فقط أذكر أن المواجهات الأمنية والحملات العسكرية بمعزل عن معالجة داخلية وإقليمية ودولية أشمل لن تمكننا من كبح جماح داعش وأخواتها، ولا من إنقاذ المواطن إزاء عصف متعطشين للوحشية وللدموية بحقه فى الحياة وحقوقه وحرياته الأساسية، ولا من استعادة سلم المجتمعات ولملمة أشلاء الدول الوطنية ومؤسساتها، ولا من تجاوز وضعية الإقليم المنفجر دوما.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب نحتاج لتحصين الداخل عبر التأسيس لحكم القانون الضامن لرفع المظالم ولحقوق وحريات الناس ولمساءلة ومحاسبة الحكام وعبر التداول السلمى للسلطة وعبر رفع معدلات التنمية المستدامة، فهذه العمليات والإجراءات لها أن تباعد بين مواطناتنا ومواطنينا ومجتمعاتنا وبين توفير الملاذات الآمنة للإرهاب.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب نستطيع كبح جماح داعش وأخواتها عبر ترشيد المواجهات الأمنية والحملات العسكرية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالدفع إلى الواجهة بأولوية الحفاظ على تماسك الدول الوطنية ومؤسساتها وتجاوز الاستبداد والطائفية والمذهبية وعوامل الفقر والجهل التى ترتب معا تنامى الإرهاب وتضع دوما منظومات الحكم / السلطة إما فى خانات رد الفعل.أو تفقدها القبول الشعبى والشرعية وتدخلها فى أزمات ممتدة ومتراكمة ليس للمواجهات الأمنية ولا للحملات العسكرية أن تمنعهم.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب أمام مهمة عاجلة تتمثل فى تقديم نماذج ناجحة لمجتمعات مسالمة ومتقدمة ولدول وطنية عادلة وعصرية تجتذب مجددا ضمائر وعقول وقلوب المواطنات والمواطنين الذين أرهقهم الاستبداد، وجردتهم المظالم والطائفية والمذهبية وغياب حيادية مؤسسات وأجهزة الدولة من الأمل فى مجتمعات متقدمة ومن الثقة فى عدل الحكم، وألقت بهم انتهاكات الحقوق والحريات ومشاعر الخوف التى استوطنت بلادنا إلى أتون الولاءات الطائفية والمذهبية بل والهويات القبلية والعشائرية والوعود الزائفة بتقديم الحماية إزاء قهر وقمع وعنف وظلم منظومات الحكم / السلطة وإزاء الفجوات الواسعة فى المجتمعات بين من أصحاب النفوذ والمصالح الكبرى وبين القطاعات الشعبية المهمشة والمفروض عليها الصمت.

فقط أذكر أننا فى مصر وبلاد العرب سنخفق فى تحييد الإخفاق المتوقع للحرب الأمريكية على الإرهاب وفى تجاوز أزمات المواطن والمجتمع والدولة ما لم نحسم بتوافقات وطنية واسعة الأسئلة الجوهرية حول الحقوق والحريات الأساسية التى لا يستطيع المواطن الاستغناء عنها وواجباته الضرورية، وحول طبيعة المجتمع المتقدم الذى نريده وتنظيم أدوار الدين والثروة والحكم / السلطة فى مساحاته وقطاعاته المختلفة، وحول هوية الدولة الوطنية التى نبحث عنها ووزن العدل والتنوع والتعددية والتسامح والسلمية وتداول السلطة فى سياقاتها وداخل مؤسساتها وأجهزتها.

غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.



0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -