أحلم بوطن يحترم حقنا فى الحياة، وأستيقظ على عوامل الإهمال والفساد وانفلات السلوك البشرى وهى تقتل عمدا أطفالا فى البحيرة ومن قبلهم طلابا جامعيين فى سوهاج ومواطنين فى أسوان.

أحلم بوطن يحترم حقنا فى الحياة، وأستيقظ على مشاهد مفجعة لأتوبيس مدرسى متفحم و«كراريس» أطفال منثورة كالهباء على طريق سريع وأسماء ضحايا حوادث سوهاج وأسوان وتستبد بى مشاعر الحزن والألم والغضب، ولا أدرى إن كان واجبى هو الكتابة ناعيا للضحايا ومتمنيا الشفاء للمصابين ومعزيا أهلهم ومطالبا بمواجهة جادة للإهمال والفساد أم أصمت لأن لغة الكلام لا قيمة لها إزاء الدماء التى تسيل يوميا.

أحلم بوطن يحترم حقنا فى الحياة، وأستيقظ على تصريحات حكومية تتسم لفظيا بالجدية حين تصف الإهمال الذى ينتهك على الطرق حقنا فى الحياة «بالإرهاب» ولفظيا بالمسئولية حين تعلن عن خطط متكاملة وإجراءات مترابطة للقضاء على الإهمال والفساد ومحاسبة المتورطين فى الانفلات السلوكى وحماية الناس من تداعياتها الكارثية، وأتمنى ـ بعيدا عن التناقض المبدئى والسياسى وعن الاختلافات الجذرية بين المؤيدين وبين أمثالى من المعارضين ـ أن تصبح الجدية اللفظية فعلا حكوميا منظما وأن يدفع الاعتراف اللفظى بالمسئولية إلى تحمل المسئولية التنفيذية عبر التداول الحر للمعلومات وللحقائق وممارسة الشفافية ومحاسبة المتورطين فى الإهمال والفساد ومن خلال إعادة النظر فى القوانين والسياسات المطبقة أو تطبيقها الفعلى وإنفاذ حكم القانون وأن تدرك احتياجها لطاقات وفعاليات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية بهدف المواجهة الواعية للإهمال والفساد.

أحلم بوطن يحترم حقنا فى الحياة، وأستيقظ على تغطية إعلامية تبتعد عن الهيستيريا التى تخضع النقاش العام بشأن الإرهاب والعنف والتحديات الإقليمية المحيطة بمصر إلى مقولات مثلها مثل وضعية الحقوق والحريات التى يروج للتضحية بها ولقبول قرارات وإجراءات استثنائية ولإماتة السياسة فى سبيل وعود الأمن والعودة إلى سيطرة الحكم الأحادية على الدولة وإخضاع المواطن والمجتمع لقبضة السلطة، وأتمنى لخير مصر أن تعمم الطبيعة العقلانية والفنية والمعلوماتية للتغطية الإعلامية لحوادث الطرق على قضايانا الرئيسية وأن تهمش أسراب طيور ظلام المرحلة المهيمنة اليوم على الإعلام وأن يتراجع ضجيجها الناشر لسموم التخوين والتشويه وللإدعاءات الجوفاء لاحتكار حق الحديث باسم الوطنية المصرية وأن نتجاوز تدريجيا سيادة الصوت الواحد والرأى الواحد.

أحلم بوطن يحترم حقنا فى الحياة، وأستيقظ على أصوات علم وعقل وحرية وموضوعية تنسحب من النقاش العام وتهجر الكتابة اليومية أو الأسبوعية للصحافة إما تحت وطأة هيستيريا الصوت الواحد أو تحت ضغوط نفسية ومعنوية ينتجها ابتذال حياتنا الخاصة والأسرية وسيرنا الذاتية أو بحثا عن المعنى والمضمون فى نوعية أخرى من الكتابات والإسهامات لها أن تعيش لفترة زمنية أطول وتتخلص من الآثار السلبية للقراءة الآنية لآراء مغردين خارج السرب، ويتنازعنى تقدير اختيارهم والاعتراف بإنسانيته من جهة ومن جهة أخرى الحزن لافتقاد أصواتهم والخوف من غربة تتنامى، وأتمنى أن يساعدنا الله على استعادة قيمة العلم والعقل والحرية والموضوعية وأن يهيئ لى من أمرى رشدا.


0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -