حمل الأشلاء المتفحمة المختلطة بلون الدماء، وألقى بها على الأرض أمام باب المشرحة، كان الأهالى يبكون أبناءهم الذين لم تتبق لهم جثث ولا ملامح بعد أن أحرقهم الجحيم الذى ولدته حادثة الاصطدام المروع، حين أبصروا هذه الأشلاء المحترقة انطلقت صرخاتهم: دا لحم ولادنا يا كفرة! حرقتوهم وبترموا لحمهم طيب أدهولنا ندفنه! تخيل أن ولدك واحد من هؤلاء التلاميذ الذين لم تتبق سوى وريقات من كراساتهم، هاهو ابنك يموت ولكنك لا تجد له جثة تدفنها! يا الله كم هذا الوجع مريرا، وما أشد هذه المرارة!

هذا وطن قد وقع عقد احتكار مع الوجع والألم ، هذا وطن يحترق فيه الأحياء والأموات، هذا وطن نموت فيه بسبب وبلا سبب، هذا وطن نموت فيه بإرادة بعضهم وبفشل البعض الآخر، ولكنه فى النهاية قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد.

مسار الموت لا يتوقف من العبّارات الغارقة إلى قطارات الصعيد المحترقة إلى محرقة المثقفين ببنى سويف إلى أوتوبيس تلاميذ أسيوط، إلى تلاميذ سوهاج إلى تلاميذ البحيرة وإلى.. وإلى.. فالقوس مفتوح، ولن يغلق لأن أسباب الفشل قائمة ولم تتغير

يقولون إن إصلاح الطرق وصيانتها سيزيد الحوادث، والأفضل أن تظل الطرق ضيقة ومتهالكة حتى يأتينا الموت أسرع، 28 طفلا يموتون فى أسبوع واحد فى سوهاج والبحيرة، ولا يتم حساب أحد ولا حتى لوم أحد، وإذا تحدث البعض وطالبوا بالمساءلة خرج الطبالون والمغيبون والمبررون ليقولوا: قضاء وقدر، وأن حوادث الطرق طبيعية فى كل العالم، وأننا لا ينبغى أن نضعف الروح المعنوية للبلد لأننا نحارب الإرهاب، ولا بد أن نصمت أو نطبل فقط حرصا على المشاعر الوطنية.

حسنا أيها المطبلون اعتبروا حوادث الطرق إرهاب، اعتبروا موت التلاميذ فى مدارسهم المنهارة إرهابا، اعتبروا غرق الأطفال فى المعديات المتهالكة إرهابا، اعتبروا احتراق جثث الأطفال بسبب الفشل فى سرعة تقديم النجدة لهم إرهابا، تذكروا أنكم تلومون الناس على أن أطفالهم وأبناءهم ينتقدون السلطة، ولكنكم لا تلومون السلطة على أنها تركت هؤلاء الأطفال يحترقون، وإن لم تقتلهم بيديها فقد قتلتهم بالعجز والإهمال وعدم التعامل مع مسببات المشاكل ووضع رؤية منهجية لمنع تكرار هذه المآسى.

هل تعرفون العدو الأكبر للوطن؟ العدو الأكبر للوطن هو قتل مستقبله، وها نحن نقتل مستقبلنا بالإهمال والفشل وسوء الإدارة والعجز وعدم المساءلة وغياب التخطيط ، هل أنقذ الإعلاميون المطبلون أطفالنا من الموت احتراقا؟ هل لبى النفاق صرخات أطفالنا والنار تشوى أجسادهم ولا أحد يغيثهم؟ هل ساعدنا الخبراء الإستراتيجيون الذين ضجت بهم الشاشات وبتحليلاتهم الخزعبلية على أن نمنع هذه الكوارث؟

لا تستدعوا شعارات مراحل بالية سقطت وأسقطت معها الوطن فى جب التخلف والجهل والظلام، الشعارات لن تبنى وطنا، والنفاق لن يصنع مستقبلا ، ليس أمامنا سوى طريق العلم والمنهجية، أبعدوا الفهلوية والمطبلاتية والمبرراتية واسمعوا للناصحين والناقدين الذين لا يبغون سوى مصلحة الوطن.

أضحت مصر قبرا كبيرا ينضم إليه كل يوم وافدون جدد لا ذنب لهم سوى أننا فاشلون، ولا نريد أن نتعلم من أخطائنا وكوارثنا، نكره من ينقدنا ونحب من ينافقنا، كونوا على يقين أن الله سيسائل الجميع عن دم هؤلاء الأطفال، سواء من يديرون وكذلك من يشاهدون ومن يصمتون ومن يبررون ومن ينافقون.

اخترعوا للناس ملهاة جديدة علهم ينسون المأساة، وينشغلون بغيرها، لكن ثقوا أن قلوب الثكالى والآباء المكلومين لن تهدأ وهم يلملمون أشلاء أطفالهم المحترقة، علهم يجدون ما يستطيعون دفنه وإقامة شاهد قبر عليه، يا رب هون علينا هذا الوجع، يا رب احفظ مصر.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -