لا يمكن أن نصفك بأسوأ أعوامنا ، فنحن لا ندرى ما يحمله المستقبل ولكنك بلا شك عام لن ننساه ، حفر فى قلوبنا مسارات للألم والأحزان التى ترافقنا منذ تعثر حلمنا لهذا الوطن ، توجت فيك الثورة المضادة حلمها وبدأت بالدماء التى سالت فى مكان كان يرقص حول أطرافه أخرون وسجل التاريخ أن هناك ( ناس بترقص وناس بتموت ) ، وحين حاول بعض منا الترفيه عن أنفسهم بالذهاب الى ( باب الدنيا ) فى سانت كاترين كان الموت يتربص بهم ويقنصهم بعد أن ماتوا متجمدين من الصقيع وتيبست أجسادهم دون أن يغيثهم أحد ، رحل محمد رمضان صاحب الوجه البشوش والأحلام الصادقة والعطاء المخلص وتركنا مذهولين ونحن عاجزون عن مقاومة الموت الذى ينهش فى جيلنا ويختار أروع من فينا
ارتفع فيك صوت الدجل والخرافة ومعاداة العلم فزعموا اكتشافات وهمية تشفى كل الأمراض وحين قلنا أن هذا يناقض بديهيات العلم وأساسيات ما تعلمناه فى كليات الطب وصفونا بالخونة والكارهين والحاقدين ورقص الراقصون للوهم وروجوا له ومضت الأيام لتكشف الحقيقة ومدى العبث بعقول هذا الشعب وتثبت أننا نصحنا لوجه الله وخوفا على صورة وطننا التى شوهها هؤلاء ، رأينا أبشع صور التحرش فى أطهر ميادين مصر وخجلنا مما وصلنا إليه بعد أن فقدت نساءنا الشعور بالأمان بعد أن غابت النخوة والمرؤءة
يرحل باسم صبرى ويغادر عالما طالما حلم بتغييره ووطنا احترق قلبه حرقة على حاله وحزنا على ناسه وهو يتمنى أن يتجاوزوا الكراهية ويقبلوا المختلف وألا يحولوا الاختلاف الى خلاف ، يتركنا باسم وهو لا يدرى هل نكمل خطوه ونحقق حلمه أم أن الكراهية ستسود وتستمر ؟
رأينا فيك حكما بالإعدام على ميت واندهشنا إذ كيف يمكن إعادة الموتى لنعدمهم مرة أخرى ولكن اندهاشنا كان ساذجا فقد أتبع ذلك ما جعل الأول عاديا ومقبولا ! ، تكسرت أمام عيوننا قامات ووجوه طالما جلسنا بين يديها نتعلم منها ونتآسى بنضالها وثباتها فإذا بها تتحول وتناقض كل ما علمتنا إياه فتصيبنا بالحيرة لنتساءل : هل كان ما علمونا اياه صحيحا ؟ فلماذا حادوا عنه وباعوا أنفسهم للصولجان وكيف ارتضى بعضهم شهادة الزور وزيف الحقائق وضيع الحقوق وكيف قبل البعض الأخر أن يكون جزءا من ديكور مشهد قبيح لا شك فى قبحه ، بحثنا عن الكبار الذين لم يعودوا كبار ووجدنا أنفسنا مجبرين أن نكون نحن الكبار لنلملم الأشلاء ونحاصر الأحزان ونقاوم الجلاد ولو صرنا وحدنا ثلة مغتربة وسط جموع هادرة تهتف بحياة الظلم وتطلب المزيد !
نكتشف أن برنامج باسم يوسف لا بد أن يتوقف حفاظا على الأخلاق العامة بينما لا يتحدث أحد عن دفقات التدنى والانحطاط الاعلامى المقابل التى كان يكشفها باسم يوسف بالفكاهة لذلك كان لا بد أن يتوقف برنامجه بالتوازى مع منع مسلسل بلال فضل هذا الكاتب المجنون الذى لا يمل من انتقاد السلطة والسخرية مما تفعله فكيف يقدم مسلسلا يسمم به أفكار المواطنين الشرفاء ؟
كانوا يقولون لنا اصمتوا فقد ضيعتم البلد فنضحك فى قرارة أنفسنا ونسألهم وهل كنتم تعيشون أصلا فى بلد كالتى يعيش فيها البشر ويحيون حياة آدمية ؟ إن كل ما فعلناه أننا هتفنا فى وجوهكم وقلنا لكم : لن نعيش فى هذا القبح ولن نقبل مستقبلا بائسا لأبناءنا ، عذرا أزعجكم هتافنا ورجعتم بحنينكم إلى مستنقع حاولنا إخراجكم منه واليوم تلوموننا والحقيقة أنكم غدا ستلومون أنفسكم وتدركون كم خسرتم من أرادوا لكم الخير ولكنكم أبيتم .
تداولنا صورة ماهينور المصرى وهى شامخة وراء القضبان تتحدى البطش وتصر على قول الحق مهما كان الثمن ولم نكن نعلم أن يارا سلام وسناء سيف وسلوى محرز ورفاقهم سيقفون فى نفس الموقف ليدفعوا ثمن نصرة المظلوم وطلب الحرية للمصريين ، أبواب الحرية التى فتحت ثورة يناير بعضا منها صارت تغلق يوما بعد يوما ويتم إلغاء انتخاب أساتذة الجامعات للعمداء ورئيس الجامعة ويقال لهم لستم مؤهلين لذلك كما قالوا للشعب قبل ذلك لست مؤهلا للديموقراطية
يخرج بيننا من يطالب بقتل أطفال الشوارع وتصفيتهم ليرتاح المجتمع ، يتصاعد مستوى الدموية والفاشية التى ضربت المجتمع الذى صارت قطاعات منه تصفق لإراقة الدماء طالما أنها دماء خصومهم ومن لا يحبونهم ، يغير الإعلام خريطة الأعداء فيقول للناس أن الفلسطينيين هم أعداؤكم بينما الصهاينة أصدقاؤكم ويخرج من بيننا من يفرحون بالحرب على غزة ويطلبون من اسرائيل أن تبيدها عن بكرة أبيها ، تتواصل حلقات تزييف الحقائق لتبرىء القتلة وتدين الأبرياء ، يشوهون كل ما له علاقة بالثورة حتى شهداءها ، ينتهكون القانون ويطأون بأحذيتهم فوقه لتتراجع دولة القانون وتظهر دولة المماليك التى تصوغ قوانينها البلطجة والبطش ورأس المال ، تزيد أعداد اليائسين الذين يبحثون عن خروج من هذه الأرض الظالم أهلها ، تصبح المقالات التى تتحدث عن كيفية الهجرة وتفاصيلها هى الأكثر رواجا فالغالبية تشعر أن المستقبل هنا يحتضر ولا داع لتضييع ما تبقى من الحياة بإقناع بعضهم ببديهيات انسانية على غرار أن الدم حرام والظلم حرام ! وتبقى هذه الكتلة التى لم تمت ضمائرها ولم تنتحر انسانيتها لترفع صوتها فى وجه الجميع وتقول لهم قولة الحق التى لا تبقى لهم صاحب !
يتساقط جنودنا شهداء فى الفرافرة وفى رفح وتسيل دماؤهم غدرا وتتمزق قلوبنا وبدلا من أن يسأل المطبلون من تسبب فى ذلك يكيلون الذم والقدح فيمن بكوا لأجل هذه الأرواح الطاهرة التى وقفت ترابط على ثغور الوطن وحدوده لتحمى شعبا بأكمله و اذا ببعضهم يتاجرون بدمائهم واذا ببعض أخر يشمت فى موتهم !
يموت الدكتور أيمن النجار أستاذ الطب مقتولا على يد خاطفيه الذين طلبوا فدية ويلحق به أبرياء أخرون لم يجدوا الأمان الذى انتظروه ويتواصل خطف الناس من الطرق وقتلهم حتى بعد تسديد الفدية للمجرمين الخاطفين ومازال بعضهم يشدو بالاستقرار والأمان الذى تحقق ، يتوقف قلب أحمد سيف الاسلام ويسلم الروح لبارئها بعد أن قتله الوجع والحزن وهو يرى ولده وبنته يحملون الأغلال فى أيديهم التى ما عرفت سوى العطاء لكل مظلوم ومساندته ، نوارى جسده ونحن مذهوولون والابن يأتى مقيدا ليدفن أباه بعد مناشدة جماعية طالبت أن ترى الزهرة السجينة وشقيقها جثمان والدهم قبل أن يواريه التراب ، تصمت الألسنة وتفر الكلمات ونلوذ بالحزن الذى ولده القهر فينا ورعاه
ينتفض بعضهم لمذبحة القطط بأحد النوادى الشهيرة – وهذا أمر محمود لأن الرفق بالحيوان واجب وفرض – لكنهم لم ينتفضوا لدماء بشرية سالت وأرواح أزهقت وتستمر هذه الازدواجية التى صارت تحكم كل مواقفنا ، نعرف من الأبواق الاعلامية أننا أسرنا قائد الاسطول الامريكى وأن هيلارى كلينتون اعترفت بالمؤامرة وأننا أسياد العالم الذين اقتحموا البيت الأبيض وحصلوا على أسراره ويستمر هؤلاء كإعلاميين فى الفضائيات والاذاعات بعد ما زعموه من خرف وسماجة وأكاذيب ، تنقطع الكهرباء طوال اليوم حتى تصبح لحظة عودة الكهرباء هى لحظة الفرحة الكبرى للمصريين ويسجل المصريون انجازا علميا مبهرا باجراء العمليات الجراحية تحت أضواء الشموع وكشافات التليفونات المحمولة ، نوجه لأمريكا نصائح لحماية حق التظاهر السلمى ونبهر العالم ونحن الذين صادروا حق التظاهر السلمى بالكامل واعتبرناه جريمة توجب السجن سنوات وسنوات
يقولون لنا أن داعش نزلت تتمشى بسيارات الدفع الرباعى على الدائرى وتتجه للمعادى وأننا قد تمكنا من حصارهم فنهتف بفرحة ( الحمد لله مش احسن ما نبقى زى سوريا والعراق ) وتصبح هذه العبارة دواءا لانقطاع الكهرباء والمياه وقمع الحريات وغياب العدالة ونقدس تلك الثنائية التى تخيرك بين الأمن والحرية بينما أنت لا تحصل على أي منهما !
يتسارع المواطنون للانتحار الذى أصبح خبرا يوميا بالصحف بدءا من المواطن الذى شنق نفسه على لافتة اعلانات بطريق مصر الاسماعيلية ووصولا الى زينب المهدى التى ضاقت عليها الارض بما رحبت وقررت الخلاص من الظلم ومن هؤلاء البشر الذين قتلوا انسانيتهم ومن كل من خذلوها فى رحلة البحث عن الحرية
طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية يتم منعهم من عمل معسكر صيفى للتثقيف لأنهم سيتحدثون فى السياسة ! الابهار يستمر حيث يودع الارهابى الخطير ملك التعذيب المستشار الخضيرى أحد أبرز قضاة مصر الشرفاء فى السجن عدة سنوات بتهمة تعذيب مواطن والاعتداء عليه وهو الرجل المسن الذى لا يتحرك الا بعون من أحد ولا يرى بعينيه الا بصعوبة بالغة ، العدالة تبكى ونحن نطارد طفلا سرق 5 أرغفة ليسد جوعه ونترك الحيتان الكبار ينهبون موارد الوطن ونتصالح معهم ، يحصل مبارك على البراءة وكذلك وزير داخليته ومعاونيه ويصبح الشهداء موتى فى حوادث قدرية أو قتلتهم كائنات فضائية غزت مصر أثناء ثورة يناير
نعثر على قطار مختف فى الوادى الجديد منذ ثمانية سنوات لكننا لا نعثر على قتلة المتظاهرين ولا من هربوا أموال المصريين للخارج ، يقول السلفيون الحزبيون أنه لا يوجد معتقلين فى مصر بينما يروج أخرون أنهم يزيدون عن 41 ألف معتقل ولكن أصحاب اللحى يرون كل هؤلاء مجرمين وليس بينهم سجين رأى
نغلق عامنا بحكايات العفاريت وتمثيليات مدفوعة الاجر من الخرافة والدجل والهاء الناس بالقبض على الملحدين وغلق مقهى يوجد بشارع الكفار ، ومع كل هذا البؤس والإحباط تجدنا نحن هؤلاء المجانين - كما يرانا الناس - نتمسك بالأمل ونحاصر اليأس ونرى شعاع النور يأتى من بعيد ، نقول لأنفسنا أن الضربة التى لا تقصم ظهرنا تقوينا ، نعزف ألحان الفرح مهما امتلأت العيون بالدموع ، نبتسم ونتحدى القهر رغم أن داخلنا يصرخ من الوجع والضعف الانسانى ، نرفع رؤوسنا عاليا ونُصر على الشموخ ونرفض العطايا والهبات التى يلزم الحصول عليها الانبطاح وتغيير المبادىء والتنكر للعهود ،يشفق علينا الناس من ثمن ندفعه ولكننا راضون بما نفعله ومصرون عليه حتى لا نفقد احترامنا لأنفسنا وحتى نجد ما نقوله لأبناءنا غدا حين يسألوننا ماذا فعلنا للوطن ولمستقبلهم
وداعا عام 2014 ورغم كل ما حملته من ألم سنظل نذكر ما كتبه أمل دنقل وهو يخاطبنا قائلا ( ربّما ننفق كلّ العمر كي نثقب ثغرة ليمرَّ النّور للأجيال القادمة مرَّة ! )
0 التعليقات:
Post a Comment