روى أحد القيادات المصرفية أنه بعد مشاركته فى أحد البرامج التلفزيونية الاقتصادية ، دعا والده المسن لمشاهدة الحلقة المسجلة كى يرى براعة ابنه الاقتصادية ، وبعد أن انتهى البرنامج سأل المصرفى والده " إيه رأيك يابا ؟ " ، فرد الأب العجوز قائلا : " والله يابنى ما نا فاهم حاجه " .
" أنا يابنى إللى أعرفه أفتح الحنفية ألاقى ميه ، أحرك مفتاح الكهرباء اللمبه تولع ، أروح السوق ألاقى سعر الحاجه معقول ، أطلع الأتوبيس ألاقى كرسى أقعد عليه ".
وهكذا فإن الناس لا تفهم المؤشرات الاقتصادية التى تعلنها الوزارات الاقتصادية ، عن ارتفاع معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى أو تراجع معدل التضخم أو تراجع مؤشر أسعار المستهلكين وزيادة معدلات ثقة المستهلكين.
فالناس لا تأكل مؤشرات اقتصادية ، ولكنها لديها معايير تفهمها وتقيس بها تغيرات الأسعار ، ولعل أبرزها سعر كيلو اللحم ، حيث يقارن بعض هؤلاء ما بين نظم الحكم المختلفة بسعر كيلو اللحم خلال كل منها .
لكن الفهلوة المصرية امتدت الى مراكز صنع القرار ، لصنع انجازات لا صلة لها بالواقع ، ومن ذلك الزعم بأن الناتج المحلى الاجمالى المصرى قد زاد بنسبة 1 % خلال الربع الأول من عهد الانقلاب العسكرى .
أى خلال شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر من عام 2013 ، وهى الشهور التى شهدت محرقة رابعة العدوية والنهضة ومجازر رميسيس والدقى وغيرها ، بما لها من آثار سلبية على السوق .
والتى شهدت احتشاد السياح بالمطارات للخروج من البلاد ، وخروج الخبراء الأجانب العاملين فى كثير من الشركات خاصة شركات البترول ، فى ظل اعلان حالة الطوارىء وتعطيل قطارات السكة الحديد ، وتدنى الاستثمار الأجنبى المباشر .
ورغم كل ذلك تزعم وزارة التخطيط أن الاقتصاد قد زاد خلال الفترة العصيبة بنسبة 1 % ، بالمقارنة لما كان عليه الحال فى الربع الأول لاختيار أول رئيس مدنى منتخب فى مصر ! .
واستمر التدليس على المصريين بالزعم بأن الاقتصاد قد نما بنسبة 7ر3% خلال الربع الرابع من العام المالى الأول من الانقلاب العسكرى ، وعندما نبحث عن القطاعات التى تسببت فى هذا النمو ، نجد بيانات وزارة التخطيط تشير الى نمو قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 9ر21% ، وهى الصناعات التى يتم من خلالها تحويل الخامات الى منتج صناعى .
ولكن أى شخص متابع لحالى السوق سيجد أن ذلك القطاع بالذات يعانى ومازال من العديد من المشاكل ، وأبرزها مشكلة نقص الطاقة ، ونقص التمويل ، والتوترات العمالية ، حيث جرى خفض الطاقة الانتاجية بمصانع الأسمنت والسماد والحديد ومصانع الطوب وغيرها بسبب نقص الطاقة وانقطاع الكهرباء .
ثم تقول بيانات وزارة التخطيط أن النشاط العقارى قد نما بنسبة 6ر7 % وقطاع التشييد والبناء قد نما بنسبة 6ر5 % ، وعندما ينظر أى شخص الى واقع عمليات البناء فى المدن الجديدة سيجد ركودا واضحا وتدنى فى معدلات الحركة ، فهل وزارة التخطيط ترى مالا يراه الناس ؟ .
ولا يخفى على أحد أن الغرض الأساسى من تلك البيانات لمعدل النمو هو الخروج بمعدل نمو ،يزيد عما تحقق فى عهد الرئيس محمد مرسى ، بحيث تصبح المقارنة فى صالح النظام الحالى ! ، فقد بلغ معدل النمو خلال عام مرسى 1ر2 % ، فكان لابد من انتاج رقم أكبر للنمو فى العام الأول للانقلاب ، والذى قالوا أنه بلغ 2ر2 % .
وهكذا علينا أن نستعد لسماع طفرة فى النمو مع خلال السنة الأولى لتولى الرئيس الحالى ،والذى بدأها بنمو بنسبة 8ر6 % خلال الربع الأول من العام المالى الحالى ، وهو مابرره أيضا بالنمو الذى لاحظوه بقطاع الصناعات التحويلية وقطاع التشييد والبناء .
بينما نشاهد دولا أوربية لا تخجل من اعلان نتائج ناتجها المحلى الاجمالى خلال نفس الشهور الثلاثة مهما كانت قسوتها ، حين أعلنت كلا من ايطاليا وفنلندا وقبرص وكرواتيا عن نمو سلبى ، وأعلنت النمسا عدم حدوث نمو بها ، كما بلغت نسبة النمو فى فرنسا 4ر0 % فقد أى أقل من نصف بالمائة .
وفى هولندا 1 % وفى ألمانيا 2ر1 ، ليصل متوسط معدل النمو بدول اليورو الثمانية عشر 8ر % ، أى أقل من الواحد بالمائة ، ومتوسط النمو بدول الاتحاد الأوربى الثمانية والعشرين 3ر1 % خلال نفس الفترة .
ثم يتحفنا جهاز الاحصاء التابع لوزارة التخطيط ، بأن معدلات البطالة فى مصر قد تراجعت خلال الربع الرابع من العام المالى الماضى ، أى خلال أشهر ابريل ومايو ويونيو من عام 2014 الى 3ر13 % مقابل 4ر13 % بالربع السابق .
ثم استمرت معدلات البطالة فى التراجع حسبما يرى جهاز الاحصاء خلال الربع الأول من العام المالى الحالى ، أى خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر من عام 2014 ، الى 1ر13 % ، وهى آخر بيانات منشورة ، ويعلم الله ماذا يخبئون لنا خلال الشهور القادمة من انجازات .
والمعروف أن المنظمات الدولية مثل : البنك الدولى أو صندوق النقد أو منظمة التجارة العالمية أو الأونكتاد وغيرها ، تأخذ البيانات الاقتصادية من الدول كما هى ، وتنشرها فى تقاريرها بلا تدخل منها .
وهكذا تقوم الصحف المحلية بإعادة نشر معدلات النمو وغيرها من المؤشرات الاقتصادية المصرية ، بعد نشرها فى تقارير المنظمات الدولية على أنها شهادة تفوق للنظام الحاكم ، رغم أن تلك البيانات أصلا صناعة محلية خالصة !
وطالما استمر ذلك النهج فى مواجهة المشاكل الاقتصادية المزمنة بتجميل المؤشرات ، فلا أمل فى تحسن حقيقى للمستوى المعيشى للمواطنين ، خلال الأجل القريب .
0 التعليقات:
Post a Comment