شهدت الساحة السياسية فى مصر عقب ٣ يوليو ٢٠١٣ حالة من الفرز السياسى والمبدئى العنيف وأسفرت عن سقوط كثير من المحسوبين على الثورة والتيار الديموقراطى فى أحضان الاستبداد إما طمعا فى سلطة او خوفا من بطش او نكاية فى الاخوان وتعددت صور السقوط بدءا من تحول بعضهم لشهود زور ضد الثوار وتأييد القتل ومرورا بمنظرين للانحراف عن الديموقراطية تحت مسميات الضرورة والاحتياج الوطنى ووصولا الى قبول البعض المشاركة فى مسرحيات هزلية معلومة النتائج مسبقا ولا تمثل سوى ديكور للقبح العام
فى كل الأحوال هذه الهزة العنيفة صاحبها بقاء قلة ثابتة على مبادئها وانحيازها للديموقراطية ورفضها لتدجين الرأى العام وبيع الأوهام للجماهير ، هذه المجموعة دفعت الثمن حربا عليها وتشويها واغتيالا معنويا وسجنا واعتقالا ومازالت حتى هذه اللحظات فى مرمى نيران السلطة وأبواقها ، لكنها لم تتغير ولم تتبدل
لكن مرحلة تسجيل المواقف النبيلة لم تعد كافية فى ظل التدهور المتصاعد فى المشهد السياسى وتضييق مساحات العمل العام والإصرار على إماتة السياسة وتهجير المواطنين عن دائرة الاهتمام بالحياة العامة والمشاركة ، لذلك هناك فراغ شاسع يحتاج لمن يملأه رغم ظروف التضييق الواسعة فى ظل تشكل المعادلة السياسية الجديدة التى يتضح من ملامحها الاولى انها ستكون مباراة بين السلطة ونفسها عبر خلق هذه النماذج من المعارضة الكرتونية التى تلتزم بسقف معين تحدده لها السلطة وعند المواقف الفاصلة تلتزم بما تأمرها بها السلطة وتروج له بل وتهاجم من يعارض بشكل حقيقى بالاضافة الى عودة الثورة المضادة ورموزها الذين أصبحوا جزءا من الأحداث اليومية فى مصر وساعد الاعلام المشبوه فى اعادة تقديمهم للناس فى ثوب الضحايا ومالبث هولاء ينقضون على الثورة ويروجون لأشكال جديدة من الاستبداد
فى مقابل ذلك من المؤسف أن نجد ان التيار الديموقراطى الحقيقى يجلس على مقاعد المتفرجين ويكتفى بتسجيل المواقف فقط دون تحرك لبناء بديل يعيد الاتزان للحياة السياسية ، فى كل المراحل التى أعقبت الثورة كانت مشكلة الديموقراطيين والثوريين هى عدم قدرتهم على التوحد القائم على منطق وفكر وبناء تنظيمى متماسك يعطى الجماهير إحساسا بالثقة وينهى أسطورة عدم وجود البديل ورغم تعدد محاولات البدء الا انها لم تكتمل
يحتاج الناس فى مصر للشعور بأن هناك قوة منظمة تمتلك الرؤى والقدرة على تسلم الحكم وإدارة شئون البلاد بمنهجية رجال الدولة وليس بمنهجية المناضلين السياسيين ورغم وجود أعداد كبيرة من اصحاب القدرات المميزة سواء العلمية او المهنية من أبناء التيار الديموقراطى الا انهم تائهون ومبعثرون ويعانون من الإحباط العام والرغبة فى الانكفاء على الذات ، وهذه حالة يمكن تفهمها بسبب الضغوط النفسية وتوالى الاحباطات العامة على مدار أربعة سنوات لكن لا يمكن ان نظل تحت تأثير الضغوط النفسية التى هى مقصودة ومخططة لإجهاض أى تحرك ايجابى
مصر لا تحتاج الان الى تحرك ثورى بلون احتجاجى بقدر ما تحتاج الى تراص الصفوف الناضجة التى تستطيع تقديم بديل للجماهير اليائسة والمحبطة والتى تم تخويفها وتفزيعها بحالة الفراغ وثنائية الاستبداد الدولتى والاستبداد الدينى وكأن قدر مصر ان تتأرجح بين هذين الطرفين بلا بديل يكسر هذه الحلقة المفرغة
الكل ينتظر ان يبدأ طرف ما ثم يلحق به ومن ثم فكلنا قيد الانتظار ! نحن لا نتحدث عن إطار حزبى جديد ولا تحالف سياسى وانما نتحدث عن مدرسة جديدة لا تنشغل بالمعارك الفرعية والتفاصيل اليومية قدر ما تنشغل ببناء الذات وتجميع الجهود والكفاءات المختلفة فى مسار البناء والتعامل مع المشاكل الكبرى والملفات الأهم فى حياة المصريين
ربما يكون الكبار قد انقطعت أمالهم وتبددت عزائمهم ولكن الشباب ليس أمامهم سوى هذا الخيار إنقاذا للمستقبل واستعدادا للحظة قادمة ستتحرك فيها العيون بحثا عن هؤلاء المنقذين بعد أن يستنفذ الوطن كل محاولات الفشل وتجريب الأوهام وسقوط مدارس الجهل والخرافة
الطريق للمستقبل قائم على العلم لا سواه ، وقد لا يحتاج التيار الديموقراطى حشد الجماهير قدر احتياجه لحشد القدرات العلمية والمهنية وتجميعها فى إطار وطنى جديد استعدادا لمرحلة البناء التى هى قادمة لا شك فى ذلك
0 التعليقات:
Post a Comment