ليس بجديد علينا أن تتكالب عناصر النخب الفكرية والاقتصادية والمالية والحزبية على تأييد منظومة الحكم/ السلطة، وعلى تبرير القوانين والسياسات والقرارات والإجراءات، وعلى إقصاء أصحاب الآراء الأخرى بالترويج لمقولات التخوين والتشويه الزائفة وبالإدعاء المتهافت لجهة احتكار حق الحديث باسم الوطنية. إلا أن الجديد يتمثل من جهة فى أن الحماية من احتمالية التعرض للقمع التى تبحث عنها النخب المختلفة حين تتحالف مع الحكم/ السلطة لم تعد كاملة وباتت «تشققاتها» ومن ثم «استثناءاتها» تتوالى، ومن جهة أخرى فى التراجع الشديد لفرص جميع أو أكثرية عناصر النخب فى الحصول على عوائد مادية أو غير مادية مجزية فى ظل ظروف الأزمة المجتمعية الراهنة.
ليس بجديد على مصر أن يوظف الحكم/ السلطة وسائل الإعلام للسيطرة على توجهات الرأى العام وتشكيل/ تزييف وعى الناس وفقا لمصالحه وأهدافه هو وحلفائه، أو أن يستخدم القوانين والسياسات والقرارات والإجراءات للهيمنة على المجال العام وإخضاع التنظيمات الوسيطة وتهديد المواطن بالقمع ما لم يمتثل. إلا أن الجديد هو أن قطاعات شعبية مؤثرة تبدى مقاومة حقيقية لعمليات تشكيل وتزييف الوعى الإعلامية وترفض استساغة التخوين عند الاختلاف أو احتكار حق الحديث باسم الوطنية لإسكات آراء غير الممتثلين للحكم/ السلطة، والجديد هو أن قطاعات شعبية مؤثرة تعود الآن إلى شىء من التعاطف مع منظمات المجتمع المدنى ومع مجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات ولم تدفعها «الماكينة الإعلامية» إلى التصفيق المستمر للمظالم والانتهاكات ــ هذا دون إنكار لحضور قطاعات شعبية واسعة تمارس استجابة كاملة أو شبه كاملة لتشكيل وتزييف الوعى وتشغل مواقع التأييد الأحادى للحكم/ السلطة.
ليس بجديد على مصر أن تخرج مؤسسات وأجهزة الدولة على الناس بخطاب رسمى مضامينه ستفعل الدولة كل شىء/ ستنجح الدولة فى كل شىء أو مفرداته حين تختزل الدولة فى الحاكم سيفعل رأس السلطة التنفيذية كل شىء/ سينجح هو فى كل شىء، وليس بغريب علينا أن يترتب على ذلك منع التداول الحر للمعلومات وللحقائق وأن يهمش المواطن والمبادرة الفردية ويستتبع المجتمع وتنظيماته الوسيطة أو أن يطغى يروج الخطاب الرسمى لأولوية الأمن على الحرية وأن يطغى بالتبعية النهج الأمنى على كل ما عداه. إلا أن الجديد هو أن القطاعات الشبابية والطلابية، وهى تشكل الأغلبية العددية فى بلدنا، ترفض الاستكانة إلى «دع الدولة تتصرف والحكم يقرر» وتدرك خطأ تهميش المواطن واستتباع المجتمع وطغيان الأمنى، تماما كما تعلم أن منع تداول المعلومات والحقائق يقضى على المبادرة الفردية ويعطل تقدم المجتمع والدولة شأنه شأن المظالم والانتهاكات التى تباعد بيننا وبين السلم الأهلى والعدل ويستحيل تبريرها بمقولات التخوين والتشويه المتهافتة وبالادعاء الخائب باحتكار حق الحديث باسم الوطنية.
لسنا فى احتياج لقوانين تجرم إهانة ثورة طلبت الحق والعدل والكرامة الإنسانية، ولسنا فى وضع يلزم بؤسه بنصوص قانونية تمنع تخوين الفكرة الديمقراطية ودعاتها. فقطاعات المواطنين الواعية، وبحث المجتمع عن الجديد وإدراك خطوطه، والتشققات التى ترد على ثنائية الحماية ــ العوائد التى تتكالب بسببها النخب على التأييد والتبرير ستتكفل معا بذلك.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
0 التعليقات:
Post a Comment