وهم خالص، حين تتصور مصر الرسمية أن انتهاكات الحقوق والحريات المتراكمة يمكن، إن داخليا أو خارجيا، التعتيم عليها أو التقليل من شأنها أو تبريرها بمقايضات الحرية والأمن أو تجاوزها بوعود التغيير الإيجابى القادم وعموميات المستقبل الأفضل.

وهم خالص، حين تتصور مصر الرسمية إمكانية «السيطرة» على التداعيات الكارثية للانتهاكات وللمظالم فى الداخل عبر فرض الرأى الواحد والصوت الواحد وإشهار الأدوات القمعية إزاء المواطن والمجتمع المدنى وإجبارهما إما على الخضوع والامتثال لمنظومة الحكم / السلطة أو مواجهة مصير التهجير من المجال العام.

وهم خالص، حين تتصور مصر الرسمية حضور «فرص حقيقية» للقضاء على انطباعات الخارج السلبية بشأن الانتهاكات والمظالم بإرسال الخليط المعتاد من المسئولين الرسميين ومن ممثلى المصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة مع منظومة الحكم / السلطة ومن الحقوقيين والكتاب والإعلاميين الدائرين فى فلكها والمضطلعين بمهام التعتيم والتبرير التقليدية ــ بعضهم تمرس على الاضطلاع بالمهام هذه لسنوات طويلة وعبر تقلبات الحكام والحكومات ولم يبتعد إلا فيما ندر عن الخط الرسمى، والبعض الآخر ورد «المهنة» حديثا، أو حين يرفض النقاش العقلانى وتطلق اتهامات «التآمر» على مصر والعمل «ضد مصالحنا الوطنية» باتجاه مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بشئون الحقوق والحريات والمؤسسات الرسمية الغربية والإفريقية والمنظمات الحقوقية المهتمة «بالملف المصرى» ما أن تصدر عنها تقارير تشير إلى الانتهاكات والمظالم.

وهم خالص، حين تتصور مصر الرسمية أن الانفجارات الإقليمية المتكررة وظواهر مؤلمة كامتهان كرامة المواطن فى معظم بلاد العرب وتغييب حقوقه وحرياته ستعفينا اليوم أو غدا من التعامل بموضوعية وصراحة مع الانتهاكات والمظالم بين ظهرانينا وإعمال مبادئ العدالة الانتقالية ــ التوثيق والمصارحة والمساءلة والمحاسبة والتسامح ثم إغلاق ملفات الماضى، أو أن معايير الحكومات الغربية وغيرها من حكومات القوى الكبرى المزدوجة بشأن الحقوق والحريات وتقلباتها الكثيرة بين التجاهل / الصمت / الإشارة / النقد / العقاب وفقا للأحوال والمصالح تنزع عنا نحن ضرورة إدارة نقاش عقلانى وحر وتعددى فى مصر وباتجاه الخارج بشأن الانتهاكات والمظالم وبرغبة فى البحث عن خروج لنا من الخانات السوداء الراهنة.

لو طرحت مصر الرسمية هذه الأوهام جانبا، ونقطة البداية هى تصنيف منظومة الحكم / السلطة لهم بالفعل كأوهام وإدراك الحصاد الكارثى / السلبى لمواصلة توظيف الأدوات المستمدة منهم وتوفر إرادة واضحة للتفكير فى بدائل غير استبدادية أو سلطوية الطابع، نستطيع من جهة أولى أن ندير نقاشا ضروريا تأخر طويلا حول اعتبارات الحرية والأمن وعلاقة هذين المكونين الأساسيين لوجود المواطن والمجتمع والدولة بسيادة القانون وآلياتها وإجراءاتها. ولنا، من جهة ثانية، أن نضع المواطن والمجتمع المدنى إزاء الدولة فى مواقع تمكنهما من الدفاع الإيجابى عن الحقوق والحريات والمبادرة الفردية واستقلالية التنظيمات الوسيطة فى إطار التزام سيادة القانون وتمكن منظومة الحكم / السلطة المسيطرة على مؤسسات وأجهزة الدولة من الصياغة الموضوعية ــ غير المغيبة للمعلومات والحقائق، وغير المعتمدة على الخوف كمادة وحيدة للخطاب الرسمى ــ لتحديات الأمن الداخلى والأمن القومى وبناء توافقات واعية بشأنها مع المواطن والمجتمع. ولنا، من جهة ثالثة، أن نتوقف عن إهدار مواردنا العامة والخاصة حين نرسل خليط الوفود المعتاد إلى خارج رسمى يفهم جيدا ازدواجية معاييره ومعاييرها بشأن الانتهاكات والمظالم ويفهم أن بدايات التغيير لها هناك وهنا مواطن أخرى أو حين نرسلها إلى خارج غير رسمى لا يستمع إليه بجدية لغلبة الطبيعة التعتيمية والتبريرية على أحاديث «الوفود المصرية» ومن ثم غياب مصداقيتها، وأن نتوقف كذلك عن إطلاق الاتهامات بالتآمر والعداء ضد الخارج بسيكوباتية مريضة وجاهلة. السؤال هو هل تدرك منظومة الحكم / السلطة بتركيبتها الراهنة فساد هذه الأوهام كلها، وهل تمتلك الإرادة لطرحها جانبا وتجاوزها باتجاه عدالة انتقالية، وهل ترى فى العودة إلى مسار تحول ديمقراطى فرصتنا الوحيدة للتأسيس لحرية المواطن وسلم المجتمع وعدل ومنعة الدولة الوطنية ولاستثمار طاقاتنا فى مهام صناعة التنمية والتقدم؟ لهم أن يجيبوا، أما إجابتى فمعلومة وإن تمنيت لصالح الوطن خطأها.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -