فى المشهد الإقليمى لبلاد العرب، خليط كارثى من 1) مجتمعات ودول وطنية انهارت، 2) مجتمعات ودول وطنية فاشلة، 3) العديد من المجتمعات والدول الوطنية المأزومة. الصومال انهارت منذ سنوات، واليمن تعيد اليوم إنتاج دينامية التفتت الصومالى. العراق وسوريا وليبيا فى وضعية فشل تترجم ذاتها مجتمعيا بحروب الكل ضد الكل، وفى البنى الرسمية والمؤسسية بمعاول هدم وتفتيت لا تتوقف.
مصر والسودان والجزائر والأردن والبحرين وموريتانيا، وﻷسباب شديدة الاختلاف، فى مواجهة مستمرة ﻷزمات كبرى منها الاقتصادى والاجتماعى المرتبط بغياب التنمية المستديمة، ومنها المتعلق بقضايا الحكم والسلطة فى ظل الابتعاد عن قيم سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات والتداول وفقا ﻵليات وإجراءات ديمقراطية وفى ظل وهن المجتمعات المدنية ومؤسسات وأجهزة الدولة، ومنها الناتج عن تراجع السلم الأهلى وتهميش بعض البيئات المحلية والقطاعات الشعبية وعدم تحقق مواطنة المساواة الكاملة، ومنها التحديات الأمنية الناجمة عن الإجرام الإرهابى المتجاوز للحدود الفاصلة بين الداخل والإقليم والخارج وعن حضور بعض البيئات المحلية والقطاعات الشعبية ذات القابلية للتورط فى العنف والتطرف بفعل عوامل متنوعة.
فى المشهد الإقليمى لبلاد العرب، القليل من المجتمعات والدول الوطنية التى تبدى اليوم فاعلية لا بأس بها فى حماية السلم الأهلى وتجنيب مؤسسات وأجهزة الدولة إن معاول الهدم والتفتيت أو مصائر الأزمات المتراكمة. الإشارة هنا هى إلى بلدان الخليج باستثناء البحرين، وإلى تونس والمغرب. بالقطع، تظل الفوارق جلية بين الخليج المستند إلى العوائد الريعية للثروات الطبيعية وللتراكم المالى (الصناديق السيادية) فى إضفاء شرعية القبول الشعبى على السلطويات الحاكمة عبر برامج التنمية المستديمة ومنظومات الرفاه الاقتصادى والاجتماعى والاستهلاكى وبقلب قاعدة الديمقراطية النيابية «لا ضرائب دون تمثيل ومشاركة ورقابة» على رأسها بحيث تصبح «لا ضرائب وبالتبعية لا تمثيل ولا مشاركة ولا رقابة»، وبين وضعية تونس والمغرب وملامحها اﻷساسية هى التنمية المتعثرة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية (أبرزها الفقر والبطالة والفجوة الواسعة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل وبعض الاحتجاجات المناطقية المرتبطة بالتهميش وغياب المساواة والممارسات التمييزية) ومسارات ذات دينامية إيجابية لجهة التزام سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات والتحول الديمقراطى تتيح للأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل شيئا من التعويض إزاء التعثر الاقتصادى والاجتماعى. غير أن بلدان الخليج تشترك مع تونس والمغرب فى الابتعاد عن الديناميات السلبية المحيطة ببقية بلدان العرب، وفى نجاتها الواضحة من معاول الانهيار والهدم والتفتيت التى تعصف بالعديد من مجتمعاتنا ودولنا الوطنية ومن تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات الحكم والسلطة على نحو يذهب فى مجتمعات ودول وطنية كمصر بفرص التنمية والتقدم والاستقرار كقيمة إيجابية.
وحال العرب كذلك، هناك مسئولية إقليمية على بلدان الخليج فى تمكين جوارها العربى من تجاوز معاول الانهيار والهدم والتفتيت ومن التغلب على الأزمات المتراكمة ولن يتأتى هذا سوى بالابتعاد عن الأجندات الطائفية حين التعامل مع الجوار وبالبحث عن دعم السلم الأهلى وتماسك مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية والإعلاء من شأن سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات ومسارات التحول الديمقراطى بعيدا عن الخليج ــ حتى وإن ظل هو مفتقدا لهذه القيم. وهناك أيضا مسئولية كبرى على تونس والمغرب ذات أهمية قصوى لهم ولنا، النجاح فى بناء الديمقراطية وتحقيق معدلات جيدة للتنمية والتقدم وصون السلم الأهلى ــ مسئولية تقديم نموذج ديمقراطى وتنموى ملهم. فهل يستطيع الخليج وينجح النموذج الملهم فى تونس والمغرب؟
0 التعليقات:
Post a Comment