يحكى أن هناك شابًا دفعه حبّه لفريقه أن يذهب إلى الملعب ليشاهد مباراته ويشجّعه، فكان جزاؤه الموت، حكاية 22 مشجّعًا من مشجعي نادي الزمالك، القصة كانت لها روايات متضاربة ولقطات مختلفة جعلت كثيرين يتشككون حول حقيقة ما حدث.
"مصر العربية"، سألت ناقلي الحقيقة وحاضري الحدث في الاستاد، لينقلوا لنا شهاداتهم على الواقعة، وما سجلته عيونهم وعدساتهم وأقلامهم.
شرارة بداية المجزرة
كشف لنا عبد الحكيم علي، بقناة النهار، عن الشرارة التي تسبب في وقوع تلك المذبحة، من واقع الشهادات التي جمعها بالأمس قائلاً: "في البداية كان الجمهور يريد الدخول الى الاستاد إلا أن الأمن رفض، وحتى هذه اللحظة كانت الأوضاع شبه هادئة، الى أن حدث نقاش حين أغلق باب الاستاد بين الوايت نايس والعميد المكلف بتأمين الاستاد كما علمت حيث قال أحد أفراد الوايت نايتس عايزين ندخل الاستاد وكانوا يتحدثون إليه باحترام، إلا أن العميد بادلهم الرد: " محدش داخل"، وفوجئوا به يسبهم بأهلهم، وأعطى تعليماته للأمن بإلقاء الحاجز الحديدي عليهم، وأخذت جماهير الوايت نايتس تجري خاصة مع القاء وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم، وكانت تلك بداية المذبحة.
وأضاف: "أخذ البعض يتساقط جراء الاختناق من قنابل الغاز والتدافع من كثرة الأعداد، تركتهم ودخلت المباراة وكان الجميع بالداخل يعلم أن الجماهير تموت بالخارج.
جثث ملقاة على الطريق
بصوتٍ حزينٍ يحكي هاني عصام، صحفي، عن جثث مرميّة، كما وصفها، في محيط استاد الدفاع الجوي: "5 أو 6 جثث كانوا موجودين قدّامنا مرميين ع الأرض والدنيا ضلمة، لو عربية مش واخدة بالها كانت ممكن تدوس عليهم".
يؤكد عصام أن الإسعاف كانت تأتي لتحمل الجثث، عدا مصابة واحدة أكد عصام أن الإسعاف أخذتها وأنها كانت مصابة بطلق ناري في الساق، لكنّه لم يستطع التحديد إذا كان مطاطيا أو رصاصا حيًا.
يضيف عصام أنه علم بالواقعة عندما ذهب أحد زملائه الصحفيين من داخل الاستاد إلى الخارج لتسليم أحد أصدقائه تذاكر حضور المباراة، ليعود ويخبرهم أن هناك اشتباكات على البوابات وأن هناك إصابات.
منظر البوابات كان مخيفًا، كما وصفه عصام: "الأسلاك الشائكة كانت هي البوابات، انا شفت بعيني واحد كان هيموت بسبب الأسلاك ديه"، يضيف عصام: "الجثث اللي شفناها كانت على بُعْد 200 متر من البوابات، يعني ماماتتش من التدافع وكان على تيشيرتاتهم دم".
طلقات الخرطوش
ويحكى فريد السنباطي، الصحفي بموقع مصر العربية، "بمجرد وصولي عند ملعب الدفاع الجوى فى الساعة الخامسة والثلث وجدت الطريق المؤدى إلى الاستاد مغلقا نزلت من السيارة لإدراك وقت المباراة، وعندها وجدت رائحة الغاز المسيل للدموع تغطي المكان وتشددت كلما اقتربت من محيط الدفاع الجوي، بدأت أرتاب فمازال هناك ساعتان على المباراة، أعداد غفيرة من الجماهير يصل عددها نحو 30 ألف، بمجرد الاقتراب من سور الاستاد وجدت السيارات المصفحة تتحرك وبوكس محترق، مجموعة من الشباب تبكى وحين سألتهم أخبروني بأن أصدقائهم قتلوا، كونى صحفيًا أنقل المعلومة كان على أن أتحقق من أمر خطير كهذا يأبي العقل أن يصدقه".
وأضاف: "بدأت أقترب أكثر وبمجرد وصولي بدأ ضرب الغاز مجددًا من كل اتجاه، لا منفذ للهواء فقط الجميع يستنشق الغاز، لم أجد مفرًا سوى الركوب مع صديقي سيارته وفى الطريق شاهدنا 3 فتيات بينهم واحدة ملقاة على الأرض لا أعرف إن كانت فارقت الحياة أم إن كان مغشيًا عليها، ولكن كانت صديقاتها يبكونها بشدة، نزلنا من السيارة واستوقفنا لهن سيارة أخرى".
وتابع: “سمعت صوت طلقات خرطوش ورأيت فوارغها فيما بعد ونحن متجهون مجددًا إلى البوابات كان الأمن تمكن من فض الجماهير التي جاءت تشجع فريقها المكان أضحى خاليًا.. فقط حطام هنا وهناك، بقايا أحذية وأعلام كان يحملها الجماهير لتشجيع فريقهم أصبحت ملقاة على الارض هي وتي شيرتات لهم وبعض الحقائب، وزجاج متناثر هنا وطوب هناك".
الصدمة الكبرى
“كل ما سبق شيء وما شاهدته بعد ذلك شيء آخر تماماً".. بتلك العبارة استكمل فريد ونبرة الحزن تتخلل حديثه قائلا: “تلك سيارة إسعاف كانت تقف على الطريق على بُعْد 2كيلو متر من الاستاد وإلى جوارها من 6 إلى 7 أشخاص ملقون على الأرض جميعهم فارق الحياة وواحد منهم لا يزال على قيد الحياة وهو من حملته سيارة الإسعاف، رغم صعوبة الأمر بالنسبة لي أخذت أصور هذا المشهد بعدستي ﻷوثقه في الوقت الذي أخذت الدموع تنهمر من عيني وأن أملى الموقع الإخباري هذا الخبر، وكنا الموقع الأول الذى ينشره كان المشهد قاسيا ومهينا لدرجة أن عورتهم غير مستورة وملابسهم ممزقة تماماً".. لا أريد أن أعرف كيف ماتوا ولكن لماذا ماتوا؟؟ .
واستطرد: "تركت المكان ومازالت الصدمة تُخَيّم علي ودخلت الاستاد كان الوضع هادئًا ولكن رائحة الغاز كانت تغطي المكان، لم يصدق أحد قولي بوجود 6 قتلى بالخارج بمن فيهم الصحفيون، وكان ردهم: “أكيد أغمى عليهم"، الغريب أنّ الجماهير كانت قليلة جدًا بالداخل والملعب كان يتسع للحشود التي كانت ترغب في الدخول وهو ما لا أجد له تبريرًا لتجنب نزيف الدماء التي سالت بالأمس".
وتابع: فى الشوط الأول أخذ شباب الأولتراس المتواجد بداخل الاستاد يطالب بالوقوف دقيقة حداد على روح الشهداء الذين سقطوا بالخارج وهتفوا لا إله إلا الله .. وفى الشوط الثاني بدأ يهتفون، والخبر أضحى شبه مؤكد بين الشوط الأول والثاني للجميع وحينما بكى مجموعة من اللعبين بمجرد سماعهم الخبر أخبرهم محمد صلاح المدير الفني بأن تلك شائعات وأن الخبر غير صحيح بالمرة، وتساءل فريد لماذا قال مرتضى منصور أن الدخول للمباراة بالمجان .
الأولتراس لم يطلق الشماريخ
ويروى أحمد عادل، الصحفي بأخبار الزمالك، شهادته لنا: "وصلت استاد الدفاع الجوي بعد بدء المباراة ومع بداية الاشتباكات شاهدت سيارة شرطة محترقة والدخان متصاعد في الهواء، لم أعرف كيف كانت البداية ولكن شاهدت حالة من الكر والفر، والجماهير تجرى في اتجاه كوبري المشير وفى الصحراء ونحو المدافن وتجرى وراءهم مصفحات القوات الخاصة، وسيارات الشرطة والمطافي، ويلقون على جماهير الوايت ناتيس وابلا من قنابل الغاز المسيل للدموع.
"كانت رائحة الغاز شديدة للغاية".. بتلك العبارة استكمل الصحفي شهادته وهو يصف المشهد قائلاً: "شاهدت الكثيرين يتساقطون من حولي نتيجة الاختناق من قنابل الغاز ولكن لم اعلم وقتها أن كانوا فارقوا الحياة من عدمه، كما شاهد طوبًا ملقى بعرض الطريق".
وبسؤال "عادل" إن كان الوايت نايتس يحاول الدفاع عن نفسه بأي طريقة بادلنا الرد: "لم أشاهد أي واحد منهم يحمل شيئًا، فمعظمهم جاء في مجموعات مكونة من 10 أشخاص تقريبًا بينهم 6 شباب وأربعة بنات بينهم طفل أو طفلين وكل همهم وما يشغل بالهم هو حمايتهم وحسب".
وتابع: "تركت الاشتباكات ودخلت الاستاد لتغطية المباراة وكان من بالداخل يعلمون بوجود اشتباكات واعتداءات بالخارج، ولكن لا يوجد يقين لدى أي شخص بوجود قتلى".
التذاكر مقابل الهراوات
إسلام الجوهري، صحفي فيديو في الوطن يروي المشهد بعد أحداث الكر والفر، يقول الجوهري أنه وصل في نهاية الأحداث ليجد ممر الموت، كما سماه الإعلام، مليء بالكاوتشات وملابس المشجعين الذين كانوا مصطفين ينتظرون دخول المباراة، يقول الجوهري: "البقية كانت رافعة أيديها بالتذاكر لتثبت وجود تذاكر معها، على الصف الآخر كان عساكر الأمن المركزي يرفعون الشوم".
يصف الجوهري حال الشباب الموجودين أمام الاستاد بعد الأحداث: "اللي بيعيط واللي بيدور على أصحابه واخواته اللي كانوا موجودين"، يضيف الجوهري: "البوابات اتفتحت بعد اللي حصل والناس دخلت كلها حتى لو مش معاها تذاكر، مادام هيفتحوا البوابات للكل، كانوا ضربوهم في الأول ليه؟".
بعد المجزرة.. الجميع يدخل ببلاش
وصل الصحفي بهاء الدرملي، صحفي، وقت بداية الأحداث في السادسة مساءً، قادمًا من ناحية التجمّع، كان الطريق، كما يروي، مقفولاً، فقرر هو وزملاؤه الذهاب للاستاد مشيًا على الأقدام، يصف الدرملي الوضع: "حالة فزع بين الناس، الكل بيجري وبيحكي عن غاز كتير بيتضرب"، يضيف: "شفت ناس واقعة على الأرض، لكن ما كنتش متأكد إنهم قتلى".
يروي الدرملي أن لاعبي نادي الزمالك دخلوا في مدرعة بعد محاولات المشجعين من أولتراس الفريق لمنعهم من الدخول بعد ما حدث، لكنهم لم يتأكدوا من وجود قتلى بين صفوف الجماهير وقتها: "تأكدت من وجود قتلى بين الشوطين لما رحت البوفيه لقيت واحد بيعيّط، سألته عن السبب، قاللي إن محمد شريف، احد أعضاء الوايت نايتس، قريبه مات.
يضيف الدرملّي: "بعد اللي حصل الأمن دخّل الناس من غير تذاكر".
من داخل المشرحة
ومن أمام مشرحة زينهم يحكى لنا محب عماد، الصحفى، شهادته قائلاً : " وصلت المشرحة نحو التاسعة مساء وكانت الجثث تصل في سيارات الإسعاف ولم تكن مغطاة وبعدها بدأت تصل في أكياس".
وتابع محب: "لم يكن الأهالى قد وصلوا بعد فقط الأصحاب حالة من الحزن خيمت المكان، ومشرحة تأبى أن تطمئن المتواجدين بأسماء وأرقام الضحايا، وبعد عناء طويل قرروا دخول واحد فقط يلتقط صوراً بهاتفه لوجوه القتلى وكان عددهم نحو 28 جثة، في البداية كان هناك 8 قتلى مجهولي الهوية ومع الوقت وحضور الأهالى بدأ التعرف على تلك الجثث".
"سبب الوفاه انتحار".. كانت هذا هو السبيل الوحيد لأسرة الضحية التي ترغب في أن تأخذ ابنها وترحل في من هذا المكان حسبما أخبرنا "محب"، وتابع قائلاَ: " في الوقت الذى كانت الأمهات منهارة خرج أحدهم ليقول : " مش هنطلع جثث غير الصبح عشان هناخد عينة للبحث"، ومع غضب الأهالى بدأوا في إخراج الجثث بشرط الإمضاء على أن سبب الوفاة هو التدافع البعض وقع وأخذ حاملا جثة ابنه ورحل والبعض الآخر آبى ذلك إلى أن امتثلت المرشحة بعد ساعات لتلك المطالبات بعض الشيء، وتم كتابة سبب الوفاة نتيجة التدافع بعد إطلاق قنابل الغاز، وكان هناك جثة واحدة مصابة بطلقات الخرطوش، ولم يسمح بتسليمها سوى في الصباح".
نقل الجثث في سيارات ملاكي
الغريب في الأمر كما روى لنا "محب" عدم وجود سيارات لنقل الموتى أمام المشرحة أو سيارات إسعاف فالجميع كان يقل جثة ابنه في سيارة ملاكي، كان الجميع يبكى بمن فيهم الصحفيون خاصة مع دخول كل أم ولحظة علمها بنبأ وفاة فلذة كبدها.
0 التعليقات:
Post a Comment