يعد تشكل الحكومة التونسية من أحزاب يمينية لها ثقل في مجلس نواب الشعب خصوصًا حزبي حركة نداء تونس وحركة النهضة اللذين يمتلكان أغلبية نيابية كبيرة داخل البرلمان يتساءل بعض المراقبين حول وزن المعارضة في المشهد السياسي الجديد؟
لقد حظيت الحكومة الجديدة التي وقع التصديق عليها الشهر الماضي بموافقة أكثر من 160 نائبًا في برلمان يتكون من 217 نائبًا باعتبارها تمتعت بثقة حركة نداء تونس وهو الحزب المسؤول دستوريًا على تشكيل الحكومة ولديه أكبر المقاعد (86 مقعدًا) وأغلب الحقائب.
وإضافة إلى حركة نداء تونس منحت بدورها حركة النهضة التي تمتلك وزنًا بارزًا بداخل البرلمان (69 مقعدًا) ثقتها للحكومة التي يقودها الحبيب الصيد بالرغم من أنها تشارك بوزير وحيد يتحمل حقيبة التشغيل والتكوين وثلاث كتاب دولة بوزارة الصحة والمالية والاستثمار.
وبتحالف هذين الحزبين كان بإمكان الحكومة أن تتحصل على ثقة البرلمان لكنها مع ذلك سعت لتوسيع قاعدة مساندتها السياسية من خلال ضمّ حزبين لهما نفس حجم المشاركة في الحكومة بثلاث وزارات وهما الاتحاد الوطني الحر (19 مقعدًا) حركة آفاق تونس (8 مقاعد).
في مقابل ذلك لم يعترض على تركيبة الحكومة التونسية الحالية رفضًا لتشريك أسماء لعبت دورًا في فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي ورفضا لتحالف حركة نداء تونس مع حركة النهضة ورفضا للبرنامج الحكومي الليبرالي سوى 30 نائبا أغلبهم من الجبهة الشعبية.
وبالتالي أصبح من البديهي القول إن ائتلاف الجبهة الشعبية اليسارية الذي يتكون من ثمانية أحزاب يسارية صغيرة ويمتلك 15 مقعدًا داخل البرلمان الحالي هو من سيقود المعارضة السياسية بالبرلمان في المرحلة المقبلة باعتبار أن يطرح برنامجًا اقتصاديًا واجتماعيًا مغايرًا.
لكن يبدو من الواضح بما لا يدع مجالًا للشك أن المعارضة السياسية داخل البرلمان بحجمها الحالي تبقى ضعيفة على أن تكون قادرة على الصمود أمام مشاريع القوانين التي ستعرضها الحكومة الجديدة لتطبيق برمجها وتنفيذ سياستها ورؤاها الاقتصادية والاجتماعية.
يقول محمد القوماني زعيم حزب التنمية والعدالة لـ"مصر العربية" إن التحالف الحكومي خصوصًا بين حركة النهضة وحركة نداء تونس جعل المعارضة في البرلمان "ضعيفة"، لكنه يعتقد بأنه سوف يتم تدارك ذلك الضعف بتشكل معارضة قوية خارج البرلمان التونسي.
وعلل قوله بأن التونسيين صوّتوا بنسبة تقارب 50% لرئيس معارض لحركة نداء تونس وهو الرئيس السابق المنصف المرزوقي، مبينًا أن جزءًا هامًا من التونسيين غير راضٍ على ما أسماه عودة رموز المنظومة القديمة في إشارة إلى حزب نداء تونس الذي يتكون من عدة روافد وتيارات يسارية ونقابية ومستقلة ودستورية نسبة للحزب الحاكم السابق.
ويتابع "هناك جزء من الشعب ما يزال منشدًا إلى وهج الثورة وأهدافها والحوار الذي يحصل حاليًا في إطار تأسيس حراك شعب المواطنين من الأرجح أن يفضي لتشكل أحد العناوين البارزة خارج البرلمان".
وحراك شعب المواطنين هي مبادرة سياسية أطلقها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي عقب إعلان هزيمته أمام رئيس الباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية من أجل تشكيل جبهة معارضة تكون قادرة على تحقيق التوزان السياسي في البلاد وتقديم بديل جديد للناخبين. ومن المتوقع أن يقع تنظيم أول مؤتمر لهذه الجبهة في شهر مارس القادم.
من جهة أخرى يقول محمد القوماني لـ"مصر العربية" إنّ هناك حوارًا آخر يدور حاليا بين أحزاب وسطية خسرت في الانتخابات الماضية لكن لها رصيد نضالي قد يمكنها من توحيد صفوفها لبناء جبهة سياسية جديدة تعدّل كفة الموازين في المشهد السياسي التونسي الجديد.
من جانب آخر يقول النائب عن الجبهة الشعبية اليسارية زياد عمامي لـ"مصر العربية" إنّ وزن المعارضة السياسية في تونس لا يقاس بعدد المقاعد التي تمتلكها في البرلمان فحسب، مبرزًا أن وزنها يقاس بحجم مسؤولياتها القادمة ومدى التزامها بالدفاع عن استحقاقات الشعب التونسي.
ويؤكد بأنّ المشهد السياسي التونسي لم يستقر بعد بدعوى أنّ المعارضة السياسية لم تكمل مرحلة بنائها وتموقعها وتشكلها إلى حد الآن، موضحًا أن هناك عديد الأحزاب غير ممثلة في البرلمان بصدد مراجعة تموقعها وتحالفاتها وهو ما سيفرز بحسب قوله تكتلات وتقاطعات جديدة.
ويضيف بأن العديد من الأحزاب لا تزال تنتظر وضوح برنامج الحكومة الجديدة ومدى انسجامه مع تحقيق أهداف الثورة لتتخذ موقفًا من الحكومة الحالية، مشيرًا إلى أنّ الاحتجاجات الشعبية والنقابية والسياسية قد تمثل شوكة في حلق الحكومة الحالية في حال انحرفت عن أهداف الثورة.
وشدد عمامي على أنّ الجبهة الشعبية ستتزعم المعارضة السياسية بالبرلمان لمقاومة أي انحراف على المسار باعتبار أن "الهدف الأساسي هو العمل من أجل إيجاد حلول جدية للمعضلات التي تعيشها البلاد في ظل انتشار البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وتدهور المنظومة التعليمية والصحية وغيرها".
أما بالنسبة إلى النائب عن حركة النهضة الإسلامية الحبيب خضر فإنّ مشاركة حزبه الحكومة ليس تنصلًا من المعارضة وإنما محاولة لترسيخ نهج التوافق السياسي قصد التعاون والتنسيق قدر الإمكان بين الأحزاب على معاجلة الأزمات التي تتخبط فيها البلاد.
ويقول لـ"مصر العربية" أن المرحلة التي تعيشها البلاد هي مرحلة لاستكمال المسار الانتقالي ولا تتحمل معارضة قوية خصوصًا ذات كتلة واسعة داخل البرلمان مثلما يملكها حزبه (69 مقعدًا)، موضحًا أن حزبه خيّر البحث عن صيغة توافقية للمشاركة بالحكومة وطالب بتوسيع قاعدة الحكم ليشمل أغلب الأحزاب من أجل التعاون لإنجاح المرحلة المقبلة.
وحول تقييمه لحجم المعارضة يقول "ليس من دورنا أن نقيّم وضعية المعارضة لكنها هي مؤهلة كي تقوم بدور فعال وبناء لتوجيه الحكومة وتعديل سياساتها ونقد أخطائها وتصحيحها"، لكنه يستطرد "هذا الدور لا تنفرد به المعارضة لوحدها لأن الأحزاب التي تكون الحكومة أكدت بأنها ستتعامل مع الحكومة بمنطق الولاء والنقد".
ويوضح بأنّ حزبه سيدعم ويبارك جهود الحكومة طالما كان منخرطا في سياق الدفاع عن الحريات وتحقيق أهداف الثورة (شغل وتنمية..) غير أنه سيكون أول المنتقدين لأدائها بطريقة بناءة كلما لاحظ وجود انحرافات، بحسب تعبيره.
0 التعليقات:
Post a Comment