صحف الانقلاب العسكري في مصر طارت إلى صنعاء، لتفتح صفحاتها لطرفي الانقلاب على ثورة اليمن: الحوثي وعلي عبدالله صالح، وتعود لتزف البشرى بأن باب المندب بخير، وأن الهيمنة الحوثية لا تمثل تهديداً للأمن القومي المصري.
وبالتوازي، يعلن سفير السيسي من صنعاء أن الوقت قد حان لتحقيق الشراكة الاستراتيجية بين مصر واليمن، ليقدم دليلاً إضافياً على تلك العلاقة الحميمة بين مثلث الانقلابات الذي يمثل عبدالفتاح السيسي قاعدته، وضلعاه خليفة حفتر في ليبيا، والحوثي في اليمن، تحت رعاية كاملة من أطراف إقليمية ودولية.
وفي الخلفية، تأتي أصوات سيسية أخرى، توجه رسائل حادة إلى ملك السعودية الجديد: أنْ عودوا إلى العروبة، في مفارقة تبعث على الأسى، إذ ينتحر المنطق، حين تصبح العودة إلى العروبة مقرونة بالتحالف، مع انقلاب طائفي، مسنود إيرانياً على نحو كامل.
تتخذ العروبة شكلاً تجارياً بحتاً، لدى المنظومة السيسية، فالعروبي الحق هو من يدفع ويمول ويصمت على العربدة والبذاءة ويستجيب للابتزاز، تماماً كما تحولت الـ"وطنية" عندهم إلى محطات وقود وسلسلة سوبر ماركت منتشرة في ربوع الوطن.
ومشكلة سلطة الانقلاب في مصر أنها تسلك باعتبارها طفل العالم المدلل، حيث وطّنت نفسها على أن مجرد القبول الأميركي والرضا الإسرائيلي التام يكفيان لفتح كل الأبواب والنوافذ أمامها. وعلى ذلك، تصرفت في الموضوع الليبي، ظناً أن العالم سوف يبتلع هذه البضاعة منتهية الصلاحية التي تدور بها في أسواق "الحرب على الإرهاب" المفتوحة.
من هنا، جاءت الصدمة التي بعثرت أوراق الانقلاب، بدءاً من بيان الدول الخمس المشدد على أن لا حل عسكرياً في ليبيا، ثم ذهاب مجلس الأمن إلى ضرورة الحل السياسي، ورفض تسليح مليشيات انقلاب ليبيا التابعة للسيسي، فرأينا تلعثماً وارتباكاً أثارا سخرية العالم من أداء الدبلوماسية، التي راحت، بالمنطق التجاري، تجري تخفيضات على مطالبها، متنقلة من قمة التشدد في التمسك بالخروج بقرار حرب، لتستقر في قاع التنازل المخجل، حين يقول وزير خارجية السيسي إن "الحل السياسي في ليبيا ضرورة لا غنى عنها".
ولا يمكن النظر إلى الهلوسة الإعلامية تجاه الدول الرافضة للعربدة العسكرية في ليبيا، بمعزل عن هلوسة سياسية، طفحت على تصرفات نظام السيسي، بدت معها شديدة التناقض مع نفسها، إلى درجة الكذب الصراح، حيث لم تنتبه، وهي تخفض من سقف مطالبها من المجتمع الدولي، إلى أنها تفضح مقاصدها من الأزمة الليبية، إذ راحت تبيع للعالم حزمة من الهلاوس تخلط فيها بين "داعش" والثورة الليبية والإخوان المسلمين وكل مناهضي الانقلاب في مصر، فتأكّد لأصحاب الفهم في العالم أن الموضوع ليس "داعش"، بقدر ما هو "حفتر"، وأن المراد من مجلس الأمن هو توفير الغطاء الأممي لفاشية بغيضة، لا تقل إرهاباً عن المعلن من إرهاب "داعش".
غير أن الأهم في هذه المتاهة السياسية أن عملية التصدي لانقلاب الحوثي الطائفي، المدعوم إيرانياً في اليمن، تصطدم بمعضلة جوهرية، منطقياً وحسابياً، حين تجد الدولة الرافضة لانقلاب الحوثي نفسها -لا تزال- متورطة في القبول بانقلاب السيسي، وهو ما يجعل الأخير عبئاً سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً على الجميع.
ويبقى على رافضي الانقلاب في مصر أن يستوعبوا الدرس جيداً مرة أخرى: السياسة متغيرة والأخلاق ثابتة، فلا ترهنوا رصيدكم من المقاومة في بورصة التجاذبات السياسية، واعلموا أن زوال هذا الكابوس، أو بقاءه، مرهون بقدرتكم على الصمود، وقبضكم على جمر قضيتكم الإنسانية العادلة
0 التعليقات:
Post a Comment