هل هناك فرق بين أمين الشرطة الذي سدد سبع رصاصات في جسد سجين مقيد بالسلاسل في مستشفى حكومي، عقاباً له على ما وصفه الشرطي بتطاوله على السيسي والنظام، والقاضي الذي صوّب حكماً بالمؤبد على الشاب، أحمد دومة، الذي اعتبر القاضي أن سؤال المتهم، ذات جلسة عن حسابه على "فيسبوك" إهانة له، ولمرفق القضاء؟
القاضي الذي غمر دومة وزملاءه المتظاهرين، وبينهم أطفال في عمر الزهور، بفيض أحكامه المشددة، سبق له أن أعلن، في حوارات صحافية، عن انحيازه لعبد الفتاح السيسي ونظامه، مبدياً آراء سياسية خاصة به، تعتبر المتهمين الماثلين أمامه مخربين وأعداء للوطن. وكذلك فعل الشرطي الذي بررت وزارة الداخلية إقدامه على قتل السجين المربوط بوطنيته الزائدة التي دفعته للتخلص من هذا "العدو" الذي سبّ آلهة الانقلاب، فوجبت عليه اللعنة.
هذا القاضي حين سألته صحيفة "الوطن" بعد موقعة سؤال "فيسبوك" سؤالاً مباشراً في السياسة، لم يرفض السؤال، أو يتجاهله، أو يهرب منه، باعتبار ذلك لا يجوز مع مقام القاضي، بل قال بوضوح: ليست لي علاقة بما يسمى البرادعي، أو بردعة هذا، ولا حمزاوي و6 أبريل، لسبب بسيط، وهو امتناعي عن ممارسة العمل السياسي. وأخيراً، ولأنى كمواطن مصري عادي، ومن دون الخوض في السياسة ومعاركها، أميل إلى المشير عبد الفتاح السيسي.
وحين سألت الصحيفة القاضي: ما أكثر موقف عرّضك للاستفزاز داخل الجلسة؟
أجاب: لا يستطيع أحد استفزازي، لكن هتافاتهم "يسقط كل قضاة العسكر"، وما شابه ذلك، بعتبرها "كلاب تعوي".
إذن، أنت أمام قاض يمارس السياسة ويتعاطاها، خارج قاعة المحكمة وداخلها، ولو كان في دولة تحترم القانون، وقال عن المتهمين الماثلين أمامه إنهم "كلاب تعوي"، لوجبت مساءلته، لأنه إذا لم يكن ذلك هو السب والقذف بعينه، فماذا يكون إذن؟
ناهيك عن أنه، بعد كل حكم من أحكامه، يلوذ إلى الصحف والفضائيات المساندة للمحرقة الدائرة في مصر، ويسلك على نحو يظهر أنه في خصومة مع المتهمين الذين يقفون أمامه، فيما يتوجب أن يكون الحكم بينهم وبين طرف آخر، غير أنه، في أحيان كثيرة، يقوم بدور الحكم والخصم الآخر في مواجهة الباحثين عن العدالة بين يديه.
وليست بعيدة عن هذا الأمر دوافع أمين الشرطة الشخصية في تعامله مع السجين الذي قتله، إذ قال بيان وزارة الداخلية المصرية على حسابها في موقع فيسبوك عن الحادث "إنه سبق وأن تمكنت الأجهزة الأمنية من إحباط محاولة اثنين من عناصر تنظيم الإخوان زرع عبوات متفجرة بحي الوراق، وتم مطاردتهما وضبطهما عقب إصابة أحدهما بطلقٍ ناري، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتولت النيابة التحقيق، والتحفظ على المصاب في المستشفى، وتعيين الحراسة اللازمة عليه".
وأضاف البيان: وفي صباح اليوم 1 فبراير الجاري، قام المتهم المتحفظ عليه في المستشفى بتهديد الشرطي المعين لحراسته، واستفزاز مشاعره وتوجيه الإهانات له، ولأسرته، ولهيئة الشرطة والقوات المسلحة والدولة وقياداتها. .. مهدداً بعزمه على قتله، والتمثيل بجثته، كما جرى لزملائه، مهللاً لما حدث في شمال سيناء.. مما أفقد الشرطي السيطرة على شعوره، وأطلق عليه النار من سلاحه، مما أدى إلى مقتله".
أترك لك التعليق على نظام يتصاغر هابطاً إلى مستوى اللدد في الخصومة مع أفراد مقيدين بالسلاسل، وتتحلل الدولة من كل مفاهيمها وتعريفاتها المستقرة، وتنتقل من كيان جامع ينظم العلاقة بين الأفراد، ويوفر لهم الحماية والحياة الكريمة، من خلال سن القوانين وتطبيقها واحترامها، والمحافظة على حقوق المجموع الكلي للمواطنين، باختلافاته وتنوعاته، إلى خصم صغير للأفراد، يبتذل نفسه، فيرى في كل معارض لها عدواً خطراً، يستحق القتل خارج نطاق القانون.


0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -