لماذا يقتلون؟ لا تسعفنى اليوم الكلمات المتراصة ولا عبارات الألم والأسى، التى استحالت قاموسا لغويا أساسيا لنا جميعا، ومجددا أقف فى عجز إزاء خرائط الدماء التى تواصل انتشارها عاصفة بحق الناس المقدس فى الحياة.

لماذا يقتلون؟ لا قبل لا للمواطن ولا للمجتمع ولا للدولة بقوائم لأسماء الشهداء والضحايا تتزايد باطراد خاناتها وتتسع نطاقاتها الجغرافية وتتنوع الخلفيات الحياتية والمجتمعية المرتبطة بها، لا قبل لنا بكل هذه الأسماء الواردة من سيناء والأخرى الموثقة أمام استاد الدفاع الجوى ومن قبله داخل استاد بورسعيد، لا قبل لنا بأسماء من يتساقطون يوميا بفعل الإجرام الإرهابى ومن يتساقطون بفعل انتهاكات الحقوق والحريات ومن يتساقطون أيضا بفعل جرائم الإهمال والفساد وعجز المؤسسات والأجهزة المتراكم، لا قبل لنا بالصور والكلمات الأخيرة لسندس رضا وشيماء الصباغ ولأعضاء روابط المشجعين الكروية ولآخرين ممن سيظلون من غير المعلومين للرأى العام ولا بدموع وصرخات ذويهم المكلومين، لا قبل لنا بمشاهد كراهية الحياة وانعدام الإنسانية التى تفرضها علينا جرائم القتل وخرائط الدماء، وما صار يطغى على حياتنا اليومية من أعمال عنف وحرق وتدمير، لا قبل لنا بهذا كله ولا تمييز فى الحداد والحزن والإدانة إن بشأن جرائم إرهابية فى سيناء أو انتهاكات تقتل فى شوارع وميادين أو فى أماكن الاحتجاز وسيارات الترحيلات.

لماذا يقتلون؟ وكل هذا اللامعقول المحيط بنا يسكت أصواتنا حين تحاول الارتفاع بصواب هو أن العدل وسيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات والتحول الديمقراطى هى شروط ضرورية لصون الحياة ولعصمة الدماء، ويزين للكثير من الناس الفصل الكارثى بين مواجهة الإرهاب والسعى لتخليصنا من شروره وبين التزام منظومة الحكم/السلطة والمؤسسات والأجهزة الرسمية برفع المظالم ومساءلة ومحاسبة المتورطين فى الانتهاكات وجبر الضرر عن الضحايا، ويجردهم ويجرد غيرهم من القيم الإنسانية، التى ترفض الاستهانة بالقتل وبإراقة الدماء وتنأى بنا عن التمييز بين ألوان الدماء وتنبذ كل العنف وتدحض كافة مبرراته، ويجعل زورا من المطالبة بالعدل صنو تآمر على الوطن ومن البحث عن مسارات التحول الديمقراطى فعل خيانة وهدم والحقيقة الوحيدة هى أن فى الأمرين نجاة الوطن ونجاة المواطن والمجتمع والدولة به ومعه، ثم يعود اللامعقول ليطل علينا فى مجال عام فاقد للتوازن وفى إعلام لا رابط بينه وبين الموضوعية والمهنية وتعددية الآراء والتوجهات وفى مؤسسات وأجهزة من الجامعات إلى المؤسسة التشريعية تفرغ من طاقاتها الإيجابية اللازمة للنجاة بنا جميعا وتشوه بسبب النزوع لقمع المواطن وضبط المجتمع والسيطرة على الدولة والتكالب على المصالح والحسابات الضيقة.

لماذا يقتلون؟ وضمائرنا وعقولنا تعطل، ومسئوليتنا الأخلاقية والإنسانية والوطنية عن إدانة الإرهاب ونبذ العنف وأيضا عن رفض السلطوية والخروج على العدل وسيادة القانون وانتهاكات الحقوق والحريات وعن المطالبة بمساءلة ومحاسبة المتورطين بعد الترحم على جميع الشهداء والضحايا يزج بها إلى ساحات ومواقع اللامعقول.

لماذا يقتلون؟ أستصرخكم استفيقوا.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
الشروق

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -