أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حيثيات حكمها ببراءة رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف، ووزير الداخلية السابق اللواء حبيب العادلي في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اللوحات المعدنية".
وبدأ رئيس المحكمة المستشار بشير عبد العال، الحكم مستشهدًا بحديث النبي محمد عليه السلام: "قد يكون أحدكم ألحن بحجته من أخيه فأقضي له بها فإنما أقضي له بجمرة من نار فليأخذها أو يتركها".
وأكدت المحكمة في حيثياتها، أن ما نُسِب للمتهم الأول الذي كان رئيسًا لمجلس الوزراء أحمد نظيف أنّه أسند توريد اللوحات المعدنية بالأمر المباشر بالتعاقد مع شركة أوتش الألمانية فقد ذكرت هذه المحكمة في أسباب البراءة أن المادة 8 فقرة 2 من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 قد أجازت لرئيس مجلس الوزراء في حالة الضرورة أن يصرح لِجِهة بعينها لاعتبارات يقدرها ترتبط بطبيعة عمل ونشاط تلك الجهة، بالتعاقد بطريق المناقصة المحددة أو المناقصة المحلية أو الممارسة المحدودة أو الاتفاق المباشر وفقا للشروط والقواعد التي يحددها.
وتابعت الحيثيات: "تقدير حالة الضرورة المقررة لرئيس مجلس الوزراء منوطة به ولكنه يخضع لذلك لرقابة القضاء لتقدير توافر حالة الضرورة من عدمها".
ورأت المحكمة، أن "نظيف" قدر أن هناك ضرورة ترتبط بعمل ونشاط إدارات المرور على مستوى الجمهورية فصرح لوزارة المالية بالتعاقد مع شركة أوتش الألمانية بالاتفاق المباشر، كما رأت أن المتهم الأول قد ابتغ من ذلك تأمين المواطن المصري من المخاطر التي تمثلت في الأعمال الإرهابية التي كانت تتم بسيارات مسروقة وبلوحات معدنية مسروقة أيضا، حيث كانت السرقات الكبرى تتم بسيارات تحمل تلك اللوحات المسروقة وهي اللوحات القديمة أما لو سرقت سيارة تحمل اللوحات الجديدة فإن سارقها لا يستطيع السير بها لأنه يصعب عليه فك لوحتيها لأن مسامرها لا يتم فكها إلا بالكسر فهي على شكل برشام لا يمكن فكه بعد تركيبه إلا كسرا ومزود على رأس هذا البرشام بعلامة مائية يتم الكشف عنها بجهاز صغير يحمله ضابط المرور للتأكد من تأمين اللوحات".
وأضافت المحكمة في حيثيات الحكم، أن "أعداد السيارات الجديدة زادت خلال السنوات الماضية، وكانت أرقام السيارات القديمة ستة أرقام فكان لزاما أن يضاف رقم آخر على الرقم السادس، مما كان سيصعب الأمر على رجال الشرطة المرورية، وكان يجب تعديل هذه اللوحات، وأن التعاقد مع تلك الشركة الألمانية كان لخبرتها وامتلاكها خط إنتاج ولم يكن في مصر مثيل لها، أيضا هناك ندرة في الشركات التي تعمل في هذا المجال. وهناك عامل السرية الواجبة عند التعاقد على تصنيع اللوحات المعدنية لتأمين البلاد حتى لا ينكشف أمر هذه اللوحات لأن لها تأمينا تمثل في الأفرخ المرققة العاكسة التي تغطيها حتى لا يكتب عليها ولتعكس الضوء فتساعد رجل المرور على قراءتها فضلا عن تأمينها بعلامة مائية محفورة بالليزر وه1ا غير متوفر في مصنع قادر وشركة النحاس، كما أنها مزودة بشريط فضي بالهيلوجرام لتأمينها ولا يمكن إنتاجه خارج خط الإنتاج، وبعد ذلك يتم سك اللوحة بالأرقام والحروف طبقا لاحتياجات ادارات المرور ثم تغطى بأفرخ المرآة السوداء حتى لا تزور أرقامها أو يتم العبث بأحرفها والبيانات الموجودة عليها ثم تزود على أحرفها وأرقامها بكلمة جمهورية مصر العربية زيادة في التأمين".
وأوضحت المحكمة، أنها اطمأنت إلى توافر حالة الضرورة والاستعجال حفاظًا على السرية إلى أن يتعاقد الطرف المصري مع تلك الشركة بالأمر المباشر، مضيفة "عن جريمة التربيح وتسهيل الاستيلاء والإضرار العمدي الجسيم المنسوب للمتهمين فإن هذه الجرائم جميعها تتطلب قصدًا جنائيًا ففي جريمة التربيح يتعين اتجاه الإرادة إلى الحصول على ربح للغير فيتدخل الموظف في العمل عن علم بأنه مختص بإدارته والإشراف عليه وأن تنصرف إرادته إلى تظفير الغير بربح بغير حق".
وعن جريمة تسهيل الاستيلاء، قالت المحكمة، إن "هذه الجريمة لا تقع إلا إذا انصرفت نية الجاني وقت تسهيل الاستيلاء على المال إلى أن يتملك الغير هذا المال، وعن جريمة الإضرار العمدي فقد استلزم المشرع توافر القصد الجنائي وهو اتجاه ارادة الجاني إلى الإضرار بالمال ولا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال".
والمحكمة من خلال مطالعاتها أوراق الدعوى ومستنداتها لم تجد ظلا لهذه القصود الثلاثة، فالمتهمان لم يتعاقدا مع شركة أوتش الألمانية بخصوص هذه اللوحات ولم يحددا سعرا لها ولم يشاركا في تحديدها، ومن تعاقد وحدد السعر هو وزارة المالية ممثلة في شخص وزيرها يوسف بطرس غالي السابق الحكم عليه من خلال مصلحة سك العملة المصرية التابعة له، وذلك حسبما هو ثابت من المذكرة التي أرسلها ذلك الوزير في 1 يونيو 2008 برقم 1362 إلى المتهم حبيب العادلي أيا كانت وجهة النظر في تلك الاسعار، وأيضا حسبما أقرت به بالتحقيقات أمينة محمود حافظ مساعدة وزير المالية للعلاقات الخارجية من ان بطرس غالي هو الذي أعد بنفسه المذكرة المؤرخة في 2 ديسمبر 2007 التي صدر بناء عليها الأمر المباشر وكانت تشتمل على تحديد الأسعار، وقد طلب منها كتابتها على جهاز الحاسب الآلي وأنه هو الذي قام بوضع سعر اللوحات الوارد بها.
وأما عن الجريمة التي اختص بها حبيب العادلي "الجباية" ففضلا عما سلف فأنه أمر بتحصيل أموال لها صفة الجباسة وأخذ أموالا غير مستحقة إعمالا للمذكرة 1962 المار بيانها والتي أرسلها إليه وزير المالية السابق الحكم عليه، وتولى هو أم تنفيذها فحصل مبلغا مقداره 100 مليون و564 ألف جنيه مع علمه بذلك فقد أشارت المحكمة في حكمها بالبراءة إلى أن هذه الجريمة عمدية يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الأخذ مع علمه بأن المأخوذ غير مستحق للحكومة والثابت بالأوراق وما تطمئن إليه المحكمة أن المتهم حبيب العادلي، كان يجهل ذلك لعدم إلمامه بأحكام القوانين المالية وهو ما ينفي عنه ذلك القصد.
وكانت النيابة العامة من جانبها قررت ندب الخبيرين الحسابيين بإدارة خبراء الكسب غير المشروع والأموال العامة السابق انتدابهما في اللجنة الأولى لاحتساب قيمة ما تكم تحصيله بمعرفة إدارات المرور المختلفة من المواطنين أصحاب السيارات عند صر ف اللوحات المعدنية الجديدة لهم على ذمة إنها تغطية نفقات إدارات المرور والتي كانت تنفيذا لما ورد بخطاب وزير المالية رقم 1362 في 1 يونيو 2008 وانتهى الخبيران إلى أن إجمالي قيمة المبالغ التي تم تحصيلها حتى تاريخ البيان الصادر من الإدارة العامة للمرور في 5 مارس 2011 هو مبلغ 100 مليون و364 الف جنيه وأفاد وزير الداخلية اللاحق في الكتاب رقم 3366 بتاريخ 8 فبراير 2014 الموجه لرئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء بأن جميع المبالغ التي تم تحصيلها من المواطنين تمت إضافتها تباعا منذ يوليو سنة 2008 حتى تاريخ إرسال الكتاب. أضيفت بمعرفة الإدارة العامة لحسابات الشرطة لحساب وزارة المالية بالبنك المركزي بما في ذلك مبلغ 321.8 مليون جنيه هو الفرق بين تكلفة ما تسلمته وزارة الداخلية من مصلحة سك العملة من لوحات معدنية والمسدد مم وزارة الداخلية في هذا الشأن وأيضا المبالغ التي حصلتها وزارة الداخلية من المواطنين لتغطية تكاليف إدارات المرور على نحو ما تضمنه كتاب وزير المالية الأسبق 1362 في 1 يونيو 2008.
نسب للمتهمين أحمد نظيف وحبيب العادلي عدة اتهامات أولها بالنسبة لنظيف أنه اصدر أمرا مباشرا بناء على المذكرة التي حررها وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي للتعاقد مع شركة اوتش الالمانية على تصنيع وتوريد اللوحات المعدنية لمركبات جمهورية مصر العربية، وكان هذا التعاقد من قبل وزير المالية السابق بناءً على الأمر المباشر الذي أصدره المتهم الأول رئيس مجلس الوزراء وقد وجهت لهما النيابة التهم الآتية:
أول: تظفير تلك الشركة بمنفعة الحصول على هذه الصفقة بمبلغ مغالى فيه والذي بلغ مقداره 22 مليون يورو ويعادل مائة وستة وسبعين مليون جنيه مصري، أيضا سهل لغيرهما وهي تلك الشركة الاستيلاء بغير الحق على أملاك جهة عامة واستغلا إعمال وظيفيتهما في إسناد تلك الصفقة لتلك الشركة على خلاف القواعد المقررة بمبلغ مغالى فيه مما مكن ممثل هذه الشركة من انتزاع قيمة الفارق بين سعر اللوحات المعدنية التي تم توريدها وبين السعر السوقي للوحات المماثلة لها وقت الإسناد والذي يعد مبلغا مقداره 32,588,561,92 مليون جنيه وذلك بنية تملكها.
كما نسبت لهما النيابة انهما اضرا عمدا بأموال الغير المعهود بها لجهة عملها ضررا جسيما بأن حملا المواطنين طالبي الحصول على تراخيص تسيير المركبات لدى إدارات المرور ثمن اللوحات المعدنية التي تم توريدها بأثمان مغالى فيها رغم تحميلهم مبالغ التأمين عنها وذلك على خلاف أحكام القانون وأفردت النيابة للمتهم حبيب العادلي تهمة رابعة وهي أنه وهو مما له شأن في الامر بتحصيل أموال لها صفة الجباية أخذ أموالا ليست مستحقة بأن تم بموجب المذكرة رقم 1362 في 1 يونيو 2008 التي أصدرها وزير المالية السابق الحكم عليه يوسف بطرس غالي وتولى هو تنفيذها. تحصيل مبالغ من المواطنين المتعاملين مع إدارات المرور المختلفة على أساس أنها رسوم نفقات لإدارات المرور بإجمالي مبالغ غير مستحقة مقدارها 532,564,100، مع علمه بذلك وكان المتهمان قد قضى عليهما من قبل بهيئة مغايرة بمعاقبة المتهم الاول أحمد نظيف بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت المحكمة بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس. وبمعاقبة حبيب العادلي بالسجن المشدد لمدة 5 سنوات وبعزلهما من وظيفيتهما فطعنا على هذا الحكم بالنقض حيث قضت محكمة النقض بنقض الحكم وإعادة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى بالنسبة لهما فأحيلت القضية إلى هذه الدائرة "الثامنة جنائي جنوب"، وجاء من بين أسباب نقض الحكم أن الحكم المطلوب لم يبين الأفعال المادية التي قارفها الطاعنان والتي يتوافر بها مسؤوليتهما عن جريمة الاضرار العمدي بأموال الغير أيضا ما يتمسك به المتهمان من انتفاء توافر القصد الجنائي لديهما في كافة الجرائم المسندة اليهما، وكان رد الحكم المنقوض على هذا الدفع لا يكفي لطرحه.
0 التعليقات:
Post a Comment