لا أعلم ما إذا كنت باسطا ذراعيك في الوصيد، أم كنت تلهث عطشاً، حين اقترب منك صاحبك الإنسان، واصطحبك إلى الأوغاد، ليسلمك لهم، فينهالوا عليك تقطيعاً وتمزيقاً، حتى لفظت أنفاسك الأخيرة.
ما أعلمه أنك لم تكن تتصور أنه في بلد تخصص في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يمكن أن يواجه حيوان طيب ومخلص مثلك، مصيراً بائساً على هذا الوجه من الفظاعة.
ما دفعني للكتابة إليك أن قتلة الإنسانية في بلادنا يتاجرون بقضيتك، ويستثمرونها للهروب من جرائمهم ضد البشر، وأظنك لم تكن تعلم أنه، في اللحظة ذاتها التي كان صاحبك يقترف خيانته الوضيعة، ويتركك وحدك في مرمى وضاعتهم وخسّتهم، كان إنسان من بني جلدتنا يعذب حد الموت مثلك، قطعوا لسانه، ومزقوا جسده، وأجهزوا على حياته، مخلفا وراءه ملائكة في عمر الزهور، يواجهون هذا العالم القاتل، وحدهم في حضن أم صغيرة.
عزيزي:
لقد روعتنا مشاهد افتراسك بوحشية على أيدي مجموعة من البشر، لا نعلم من أين أتوا بهم، ولا من هو المخرج المحترف الذي صور مشاهد تعذيبك وقتلك، بهذه الدقة والمهارة، ولا من هو المنتج والموزع الذي عمم المقاطع على وسائل إعلام، تنتمي إلى صنف من البشر، لا يختلفون كثيراً عن أولئك الذين قيدوك بالسلاسل في عرض الشارع، ثم قتلوك ومثّلوا بجثتك.
أعرف أنك أكثر طيبة ورقة من معذبيك، كما أنك أرهف حساً من كثير ممن استثمروا في مأساة قتلك، وأتخيل أنك لو كنت هنا، واستعرت عقل ولسان إنسان لدقائق معدودات، وطالعت نبأ عاجلًا عن أوامر النائب العام بسرعة ضبط الجناة في واقعة تعذيب وقتل كلب شارع الأهرام بحي شبرا.. أو استمعت إلى تصريح من قيادات أمنية، تزف إلى الأمة خبر القبض على منفذي الجريمة الوحشية غير الإنسانية، بحسب صياغة بيان وزارة الداخلية، أتخيلك تطلق نباحاً عالياً من فمك وأنفك أيضاً، وتهز ذيلك ساخراً من هؤلاء السفاحين الكذابين، خصوصاً لو علمت أنهم هم أنفسهم أحرقوا 37 إنساناً، وهم أحياء داخل صندوق حديدي مغلق لسيارة ترحيلات، فقتلوهم صهراً وطهواً، كما أنهم، قبل ذلك، قتلوا وحرقوا مئات، بل آلافا من البشر، في ميادين عامة.
صديقي: أعلم أن كثيرين ممن أعلنوا الحداد ونصبوا سرادقات البكاء عليك، كانوا صادقين في حزنهم، لكن آخرين أكثر منهم كاذبون، لأنهم أقاموا مهرجانات للرقص على أنغام أغنية ماجنة الإيقاع، ابتهاجا بقتل مئات من البشر، بطريقة لا تختلف كثيراً عن وقائع موتك، وهاهم ينتحبون لرحيلك، ويرتدون الأسود، ويضعون أقنعة بشرية على وجوه مثل تلك التي رأيتها تغمد سكاكينها فيك، قبل أن تغمض عينيك مودعاً هذا العالم الذي يعيش في قاع الجنون، وليس على حافته.
هل تعلم، أيها الكلب الوفي، أنهم في البلاد التي انتهت حياتك فيها من الممكن أن تتم معاقبة الذين قتلوك بأحكام أكثر شدة وغلظة من عقوبة من يقتل سجيناً، أو يغتصب معتقلة، أو يحرق 37 نفساً بشرية؟
سيفعلون ذلك، ليس حباً فيك، ولا تقديراً لوفائك. ولكن، لأنهم يريدون ابتزاز مشاعر عالم، يوفر حقوقاً لحيواناته، لا تتوفر للبشر في بلادنا.. يريدون أن يهربوا من جرائم ضد الإنسانية، بامتطاء قضية حيوان مسكين، يريدون أن يختبئوا من خياناتهم ثورتهم وإنسانيتهم في حكاية وفائك، ليؤكدوا ما قاله الشاعر الإنجليزي الشهير، ألكسندر بوب، "التاريخ مليء بالأحداث التي أثبتت فيها الكلاب وفاءها على خلاف بعض البشر".
وأخيراً، أهديك أبياتاً كتبها عباس محمود العقاد، في رثاء كلبه بيجو:
وحزناً على بيجو تفيض الدموع
حزناً على بيجو تثور الضلوع
حزناً عليه جهد ما أستطيع
وإن حزناً بعد ذلك الولوع
والله يا بيجو لحزن وجيع.
0 التعليقات:
Post a Comment