سلطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الضوء على أحدث الاحتجاجات التي نظمتها مجموعة من العمال المصريين أمام المكاتب الحكومية في القاهرة لعدم صرف رواتبهم منذ شهور، متهمين المسئولين بالانحياز لصالح المستثمرين في شركاتهم، محذرة من اتساع رقعة تلك التظاهرات وامتدادها إلى محافظات أخرى، ما سيفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية المأزومة في الأصل.
ونسبت الصحيفة في تقريرها الصادر، اليوم الخميس، لـ طارق طبل، المهندس البالغ من العمر 52 عاما والذي قاد المفاوضات مع الحكومية لمحاولة حل النزاع قوله، قوله إن " الموقف سيتصاعد،" مضيفا: " أفضل أن أقتل نفسي على الذهاب إلى منزلي ومواجهة أولادي".
وأضاف التقرير أن الشركة التي يعمل بها طبل من بين أولى المشروعات المملوكة للدولة التي تم خصخصتها في تسعينيات القرن الماضي عندما أقدمت مصر على تنفيذ إصلاحات اقتصادية بهدف جذب المستثمرين الأجانب.
وشهدت الشركة منذ ذلك الحين خفضا في عمالتها من 8000 إلى 2000 عامل، وأردف طبل: "هذا النوع من الاستثمار لا يجلب سوى البطالة والفوضى، إننا نتحول إلى قنابل موقوتة".
وأوضح التقرير أن التجربة بالنسبة للكثير من المصريين تلقي بالشكوك في الوقت الذي تنفذ فيه حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الإصلاحات الأكثر طموحا في عقود بغية جذب المستثمرين الأجانب، مع افتتاح فعاليات المؤتمر الاقتصادي غدا في شرم الشيخ، والذي سيستمر على مدى ثلاثة أيام.
وأشار التقرير إلى أن المستثمرين قاموا، خلال البيع الجزئي أو الكلي لنحو 380 شركة مملوكة للدولة في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الحالية، بحل الشركات وبيع الأصول الثابتة الخاصة بهم أو حتى استخدامها كضمان لتأمين القروض الكبيرة، مع تسريح العمال أو تقليص رواتبهم.
وأفاد التقرير بأن مصر تحتاج إلى ضخ استثمارات ضخمة لتحفيز النمو الاقتصادي الذي تباطأت عجلته خلال السنوات الأربع الماضية جراء الاضطرابات التي شهدتها البلاد مع اندلاع ثورة الـ 25 من يناير 2011.
وقال تقرير واشنطن بوست إن الحكومة تطرح هذه المرة حوالي 50 مشروعا رئيسيا جديدا عملاقا للمستثمرين، والتي تستهدف من خلالها خفض البطالة من 13.1% إلى 8.5% أو 9% في أربع سنوات، بحسب تصريحات وزير الاستثمار أشرف سالمان.
لكن، وفقا للتقرير، في ظل سعي السلطات لتكميم أفواه العمال، يتوجس الناشطون خيفة من أن تؤدي نفس الإصلاحات الاقتصادية إلى تكرار مشكلات الماضي، عندما تدفع الاستثمارات عجلة التنمية ولكن تستفيد منها دائرة صغيرة فقط من الشركات المقربة من الحكومة والمؤسسة العسكرية، مخلفة ورائدها دولة فقيرة لديها قوة عاملة غير ماهرة ودون مظلة واقية.
ودلل التقرير على وجهة النظر تلك بالإشارة إلى أن معدل النمو في مصر خلال الفترة من 2004-2010 كان جيدا، حيث بلغ 5.5% في المتوسط، لكنه فشل في خلق وظائف كافية، بحسب ما ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره مؤخرا.
من جهته، قالت هدى كامل، الناشطة العمالية في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنوطة بمتابعة الاضطرابات: "إنهم مستمرون في بيع مصر".
وتابعت: "لا يوجد قانون عادل في مصر أو حتى قانون نقابي حر كما لا يوجد ثمة تغيير في السياسات الاقتصادية".
وأكد كامل على أن "المصانع تغلق أبوابها ولا يوجد فرص عمل كافية في الوقت الذي يتعاظم فيه دور القطاع الخاص.. فعندما اندلعت شرارة الثورة، ظن الناس أنهم سيحصلون على حقوقهم. لكن ظلت السياسات كما هي دون تغيير".
وقال كمال عباس، القيادي البارز في حركة النقابات المستقلة، إن الحكومة المصرية لم تتعلم على ما يبدو من الدروس السابقة وتريد الاستمرار في إغراء المستثمرين بـ "عمالة رخيصة التكلفة وبدون تمثيل نقابي فاعي يمارس الضغوط أو يتسبب في إزعاج لهؤلاء المستثمرين".
ولفتت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إلى أن العمال في مصر يظلون واحدا من القطاعات الأكثر تنظيما في البلاد، بالرغم من المحاولات الحكومية المتكررة لتكميم أفواههم.
وأكدت على أن الاحتجاجات والإضرابات العمالية كانت عاملا أساسيا في تقويض نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، التي بدأت مع إنزال صورته في إضراب عام 2008 في مدينة المحلة.
وأثناء ثورة يناير، دعم العمال المظاهرات الشعبية التي أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك بعد أن ظل جاسما على صدور المصريين طيلة 30 عاما.
يشار إلى أن مصر شهدت 249 مظاهرة عمالية في الربع الأول من 2014، والتي مثلت السواد الأعظم من إجمالي الاحتجاجات البالغ عدهها 354 في تلك الفترة، وفقا للإحصاءات الصادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعيةمصر العربيه
0 التعليقات:
Post a Comment