لا يخاف المستبد من العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد، لاعتقاده أنها لا ترفع غباوة، ولا تزيل غشاوة، وإنما يتلهى بها المتهوسون للعلم، فإذا نبغ فيهم البعض، ونالوا شهرة بين العوام، لا يعدم وسيلة لاستخدامهم في تأييد أمره، بنحو سد أفواههم بلقيمات من فتات مائدة الاستبداد. نعم، ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة، مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية وحقوق الأمم وسياسة المدنية والتاريخ المفصل والخطابة الأدبية، وغيرها من العلوم الممزقة للغيوم. ويقال بالإجمال إن المستبد لا يخاف من العلوم كلها، بل من التي توسع العقول وتعرف الإنسان، ما هو الإنسان، وما هي حقوقه، وهل هو مغبون، وكيف الطلب وكيف النوال وكيف الحفظ.
عبد الرحمن الكواكبي من كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) الصادرفي القاهرة سنة 1902
* لماذا يكون الحديث عن المعاناة دائما أسهل من التصدي لها؟، هل نحتاج، نحن البشر، أن نشاهد ألم غيرنا؟ هل هناك نشوة في أن يكون هناك دائما ضحايا في الحياة؟ ضحايا يشعروننا أن قدرنا أفضل من قدرهم، فنرى أعباء معيشتنا أخف وطأة؟... حكايا الحروب كلها متشابهة، سيجد القاتل العذر ليغطي جرائمه، وسيجد المظلوم مبرراً ليثقل نفسه بالذنب، ستضيع الحقيقة بين المصالح المشوهة، ولن يبقى من يخبرها، أو حتى من يسمعها، جميعهم هنا يقولون إنه كان ضروريا أن نقاتل، ويرون الضراوة مقياساً.
جنى فواز الحسن من روايتها (طابق 99)
* "ليس هناك، في التحليل النهائي، نشاط عقلي يمكن أن يكون مجدياً. يبدأ المذهب الفلسفي، عادة، وكأنه الوصف الوافي للكون، لكنه يصبح، بعد مرور السنين، مجرد فصل، إن لم يكن مجرد سطر أو كلمة، في تاريخ الفلسفة. يكون الأمر أدهى في الأدب، فقد كان "دون كيخوته"، أولا وقبل كل شيء، كتاب تسلية، لكنه أصبح، الآن، مدعاة للفخر الوطني والغطرسة النحوية والطبعات الفاخرة، فالشهرة أحد وجوه الالتباس، بل لعلها أبشع وجوهه.
بورخيس من كتاب (سداسيات بابل) ترجمة حسن ناصر
* "نهاية الحياة مريرة. قبل انقضاء سنة على كتابة جوبيرت هذه الكلمات، في سن الحادية والستين التي لا بد أن تكون عدّت سنا كبيرة في العام 1815. وخلافاً للاعتقاد السائد الآن، دوّن، باختصار وعلى عجل، صيغة أكثر تحدياً، أكثر إثارة للاهتمام حول نهاية الحياة: يجب أن يموت المرء، وهو محبوب (إذا استطاع). تؤثر فيك هذه الجملة، تحرّكك، لا سيما الكلمات الواقعة بين هلالين، تشعر أنها تكشف عن روح تتسم بوعي نادر وإدراك توصّل إليه، لا يستطيع أي إنسان بلوغه، يفيد بأنه ليس من السهولة أن تكون محبوباً، وخصوصاً بالنسبة إلى شخص كبير في السن، يرزح تحت وطأة العجز والوهن، بسبب الشيخوخة، ويستلزم رعاية الآخرين، واهتمامهم إذا استطاع، ربما أعظم إنجاز يقوم به الإنسان هو أن يستحق الحب، لا أن يستعطيه في النهاية، بغض النظر عمّا إذا كانت تلك النهاية مريرة أم لا. تلويث فراش الموت بالبول وبالبراز واللعاب: تقول، في سرك، إن جميعنا إلى هذا الدرب سائرون، والسؤال هنا هو: إلى أي درجة يمكن لمطلق أي شخص البقاء إنساناً، فيما هو يتخبط في حالة من العجز والإذلال، ليس بمقدورك التنبؤ بما سيحدث، عندما يحين اليوم الذي تزحف فيه إلى الفراش لآخر مرة. ولكن، إذا لم تؤخذ على حين غرّة، كما حدث لوالديك، فأنت ترغب في أنك تستحق الحب، هذا إذا استطعت.
بول أوستر من سيرته الذاتية (حكاية شتاء) ـ ترجمة هالة سنّو
* في مرحلة ما من نشوء المرء، يبرز أشخاص معينون كأساتذة. أساتذة بالمعنى الحقيقي للكلمة، أولئك الذين يفتحون عيوننا. هناك الذين يفتحون عيوننا، وهناك الذين يخرجوننا من أنفسنا. والنوع الثاني ليس مهتماً بفرض معتقدات جديدة علينا، بل بمساعدتنا على الغوص أعمق في الواقع لـ"إحراز تقدم". وبعبارة أخرى "في معرفة الواقع". إنهم يبدأون، أولاً، بهدم بنى الفكر الفوقية، وثانياً يشيرون إلى شيء يتجاوز الفكر. فلنقل إلى محيط العقل، حيث يسبح الفكر. وأخيراً، يجبروننا على التفكير من أجل أنفسنا.
هنري ميللر من (الكتب في حياتي) ترجمة أسامة منزلجي.


العربى الجديد

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -