غابت بعض المضامين الديمقراطية عن إجراء الاستفتاء الدستورى فى 2014 ــ إن بفعل فرض الرأى الواحد والصوت الواحد من قبل منظومة الحكم / السلطة والإعلام المستتبع لها أو بسبب التعقب والقمع الأمنيين لأصحاب الرأى الآخر. وتضمن النص الدستورى المستفتى عليه بعض المواد صريحة السلطوية ومواد أخرى تلغى مقتضيات الرقابة المتبادلة والتوازن بين السلطات العامة، وتتناقض من ثم مع بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة.

غير أن الإرادة الشعبية وافقت على الدستور فى استفتاء 2014، ومنحته بذلك صفتى الوجود الفعلى والمشروعية القانونية، وجعلت أحكامه ملزمة للجميع ــ بما فى ذلك المجموعات والأصوات المدافعة عن الديمقراطية التى ليس لها إلا أن تضغط سلميا وعلنيا لتعديل مواده صريحة السلطوية. كما أن النص الدستورى، يحوى بعض المواد الجيدة وفقا لمسطرة سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات؛ وهى مواد يتعين على الرأى العام المطالبة بتطبيقها الشامل دون استثناءات ومراقبة أداء السلطات العامة إزاءها بدقة ورصد الإخلال بها بشفافية.

فى هذا السياق، حملت لنا تفاصيل الفترة الماضية التى انقضت منذ الموافقة على الدستور فى 2014 ملامح لتورط السلطات العامة فى الإخلال بالأحكام الدستورية. فبجانب العصف المستمر بسيادة القانون وضمانات حقوق وحريات الناس ــ إلى الحد الذى مررت معه خلال الفترة الماضية قوانين وتعديلات قانونية تلغى بعض الحقوق والحريات الأصيلة للمواطن وتراكمت بفعله المظالم واتسعت الدوائر الشعبية للشعور بالظلم والتمييز والغبن من قبل الدولة على نحو ينذر بتداعيات كارثية، تتورط بعض السلطات العامة فى تجاهل نصوص الدستور أو تجاهل روحها ومن ثم الإخلال بأحكامه.

1. تنص المادة 15 من الدستور على مشروعية الإضراب السلمى وتشير كحق ينظمه القانون. تتجاهل المحكمة الإدارية العليا النص الدستورى، وتستند إلى غياب القانون المنظم لحق الإضراب (سلطة التشريع منذ 3 يوليو 2013 وإلى اليوم فى يد الرئاسة المؤقتة ثم الرئاسة الحالية) وإلى إقحام يثير الكثير من التساؤلات للشريعة الإسلامية فى الأمر، وتصدر حكما يحظر الإضراب ويقضى بجواز إنزال العقاب بالعاملين المضربين ــ والمحكمة الإدارية العليا هنا لم تتجاهل فقط النص الدستورى، بل أسقطت قاعدة قانونية مستقرة بشأن الحقوق والحريات الشخصية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها وهى أن الأصل فى الأمور هو الإباحة وليس الحظر والمنع والتقييد.

2. تنص المادة 145 من الدستور على وجوب أن يقدم رئيس الجمهورية إقرار ذمته المالية عند توليه وتركه لمنصبه كالموظف العام الأول، وعلى أن يقدم ذات الإقرار بصورة سنوية مع نشره فى الجريدة الرسمية. منذ الانتخابات الرئاسية فى 2014، والتى غابت عنها أيضا الكثير من المضامين الديمقراطية، وإلى اليوم لم ينشر فى الجريدة الرسمية لا تقرير الذمة المالية حين تولى رئيس الجمهورية مهام منصبه ولا تقرير العام الرئاسى الأول.

3. تنص المادة 152 من الدستور على أن رئيس الجمهورية لا يرسل إلى خارج البلاد قوات مصرية فى مهام قتالية (على عكس مهام حفظ السلم مثلا) دون موافقة مجلس الدفاع الوطنى وموافقة البرلمان بأغلبية خاصة هى أغلبية الثلثين، وحين يغيب البرلمان تحل محل موافقته موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء. ويبدو أن رئاسة الجمهورية قد اتبعت هذه الإجراءات الدستورية عندما أرسلت قوات مصرية للمشاركة فى الحرب على اليمن وعندما مددت خلال الأيام الماضية الفترة الزمنية لمهامها. غير أن روح المادة الدستورية 152 تذهب من خلال اشتراطها موافقة البرلمان باتجاه إدارة نقاش عام جاد حول إرسال قوات إلى الخارج وباتجاه إخبار الرأى العام بالحقائق والمعلومات دون إضرار بالأمن القومى أو بأمن ومهام القوات المصرية. وعن الاقتراب من هذين الاتجاهين امتنعت رئاسة الجمهورية، بحيث بوعد بين المواطن وبين معرفة طبيعة الدور العسكرى فى اليمن والدراية بتفاصيله وحدوده وأهدافه ــ مجددا دون الإضرار بالأمن القومى.

الشروق 

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -