أحكام الإعدام الجماعية التي صدرت مؤخرًا بحق الرئيس المعزول محمد مرسي، وأكثر من 100 آخرين هي بمثابة تذكير صارخ على الاعتداء المتصلب الذي لا هوادة فيه، الممارس من الحكومة على كافة أشكال المعارضة في مصر.
وبفارق شاسع، فإن أكبر المستهدفين من تلك الحملة هم أنصار الإخوان، لكنها طالت أيضا شخصيات معارضة، ونقادًا، وصحفيين، ونشطاء حقوقيين.
ويقبع الآلاف من الأشخاص داخل السجون، يواجهون محاكمات طويلة تفتقد العدالة.
يأتي ذلك بينما يقترب السيسي من إتمام عامه الأول منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية.
وبينما يذهب معظم الاهتمام الإعلامي لتغطية الحرب المثيرة للجدل ضد الإرهاب، التي تخوضها حكومة السيسي، وعواقبها الوخيمة على المجتمع المدني، وظروف حقوق الإنسان داخل مصر، فإنه يولي اهتمامًا أقل لرد فعل حكومة السيسي تجاه حق الشعب المصري في حرية الأديان والمعتقدات في مرحلة ما بعد مرسي، أو ما بعد البيئة الإسلامية.
تدمير السيسي للإخوان يظل السمة الأوضح خلال فترة حكمه، كقائد عسكري، ثم كرئيس.
وبعد أن قتلت القوات الأمنية المصرية المئات من مؤيدي الإخوان في أغسطس 2013، بالإضافة إلى خسائر طالت عناصر أمنية؛ صنفت الحكومة الإخوان كجماعة إرهابية، وسجنت الآلاف، وأصدرت عقوبات سجن مشددة، وأحكام إعدام ضد المئات.
وحتى يومنا هذا، نفذت سبعة أحكام إعدام، بينها ستة جرى تنفيذها بعد يوم واحد من حكم إعدام مرسي.
ورغم الجهود المشروعة والضرورية لاقتلاع التطرف العنيف، لكن التكتيكات المستخدمة من وزارة الداخلية والقضاء تسببت في ادعاءات متعددة، حول حدوث تعذيب، ومحاكمات صورية، مع حدوث انتهاكات خطيرة في الإجراءات القانونية الواجبة، بالإضافة إلى نقص أو انعدام الشفافية.
وبينما يلعب الدور المألوف للطاغية، يسبغ السيسي على نفسه دور المصلح، وقائد كل المصريين، بغض النظر عن إيمانهم أو عقيدتهم.
وحظي خطاب "الثورة الدينية" الذي أدلى به في يناير الماضي، أمام شيوخ مسلمين بالأزهر، بالثناء، بعد دعوته إلى إعادة تشكيل الخطاب الديني المحافظ، ومكافحة التعصب الديني، ومراجعة المناهج الدينية غير المتسامحة التي عفا عليها الزمن.
كما أصبح السيسي أول رئيس مصري يحضر قداس عيد الميلاد. وأظهر كذلك تضامنه مع الأقباط في أعقاب قتل داعش حوالي 20 مصريًا في ليبيا، حيث قدم واجب العزاء الشخصي للبابا تواضروس، معلنًا حالة حداد عام استمرت أسبوعًا، ومخبرًا الأقباط أنهم سيتلقون حماية متساوية، كمواطنين، طالما ظل في السلطة.
وبافتراض أكثر مستويات حسن النية، وقدرة السيسي على مواصلة وعوده، فإن الاعتماد على صنيع فرد واحد لا يعني الاستقرار، ولا يضع في الحسبان احتمالات اختفاء الحاكم من المشهد، أو فقدانه السيطرة على الأمور. ففي لحظة واحدة، يمكن أن يتلاشى الأمن والأمان لأكثر الفئات ضعفًا.
ولحسن الحظ، ثمة طريق أفضل لتحقيق ذلك، وهو التيقن من وجود حماية قوية للحرية الدينية. فالحكام والأنظمة تتعاقب ولكن يتحقق ذلك عبر التزام المجتمع بالحرية الدينية، وتوفير الأمن للمجتمعات الدينية، وكذلك للمنشقين عن الدين، بغض النظر عن ماهية من يتبوأ السلطة.
ومع التسليم بأن ترسيخ الحرية الدينية والحقوق الإنسانية الأخرى داخل مجتمع ليس مهمة سهلة، لكن البديلين الاستبدادي والديني أثبتا فشلهما، مرارًا وتكرارًا.
وخلال زيارات متعددة لمصر منذ ثورة 25 يناير، في حقبة المجلس العسكري، ثم مرسي، ثم السيسي، وصلت لنتيجة واحدة مفادها أن القيود الحكومية المستمرة على الحرية الدينية إنما هي مؤشر قوي على عدم تحقيق مستقبلي لتقدم ملموس يتعلق بالإصلاحات الديمقراطية والسياسية الأكبر نطاقًا.
ولسوء الحظ، فإن العديد من القوانين والسياسات التي تؤثر سلبًا على وضع الحرية الدينية ما زالت قائمة، بالرغم من تحسينات دستور 2014، وإشارات السيسي المشجعة.
وفي تقريرها السنوي، الصادر الشهر الماضي، خلُصت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية إلى أن مشاعر السيسي الإيجابية لا توازن ذلك النقص في الإصلاحات الحقيقية، وأوصت بوضع مصر كدولة مثيرة لقلق خاص، لاستمرارها في انتهاكات حرية الدين والمعتقدات.
وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب، زادت حكومة السيسي من إحكام قبضتها على المؤسسات الإسلامية، وهو ما أسفر عن إغلاق آلاف المساجد، وخنق تفسيرات متعددة داخل الإسلام.
ورغم انخفاض عدد الهجمات الطائفية خلال العام المنصرم، لكن الحكومة المصرية لم تقم بالحماية الملائمة للأقليات، لا سيما الأقباط، بالإضافة إلى غياب الملاحقة القضائية لهجمات سابقة واسعة النطاق، في الأسكندرية، وإمبابة، وماسبيرو، على سبيل المثال، بما يعزز مناخ الإفلات من المساءلة.
وعلى سبيل المثال، فشلت الشرطة في منع حشد من مهاجمة كنيسة في قرية العور بالصعيد، موطن 13 من الأقباط المقتولين بليبيا، والتي أمر السيسي ببناء كنيسة جديدة بها تكريمًا لأرواحهم.
وتعهد الحشد الغاضب بعدم السماح ببناء الكنيسة، وألحقوا الضرر بمنازل ومتاجر قبطية متعددة.
وبالرغم من محاسبة المحاكم المصرية العام الماضي لبعض جناة الاعتداء غير المسبوق على أكثر من 50 كنيسة وممتلكات مسيحية عام 2013، لكنها تواصل مقاضاة وإدانة وحبس مواطنين بتهمة ازدراء الأديان، بالإضافة إلى مبادرات حكومية جديدة لمناهضة الإلحاد.
ومع أن معظم قضايا ازدراء الأديان تستهدف الخارجين عن السنة، لكن غالبية من صدرت ضدهم أحكام حبس، من المسيحيين، أو الملحدين، أو الشيعة، يستند معظمها على محاكمات معيبة.
ينبغي مراجعة المادة 98 من قانون العقوبات، التي غالبا ما تتخذ ذريعة للملاحقة القضائية في قضايا ازدراء الأديان.
لا شيء تغير كذلك بالنسبة لمجتمعات سلمية صغيرة كالبهائيين، وشهود يهوه، إذ ما زالوا محظورين، بفعل مرسوم رئاسي يبلغ عمره 55 عامًا.
ما زال البهائيون يعانون من شيطنة عامة لهم، بما في ذلك كيانات حكومية.
ففي ديسمبر الماضي، عقدت وزارة الأوقاف ورشة عامة "لرفع الوعي بالخطر المتزايد" من انتشار البهائية في مصر، كما أن البهائيين ممنوعون من وضع ديانتهم في بطاقات الهوية التي لا تسمح إلا بثلاث خانات، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية.
وبعد أن كانت الجالية اليهودية بمصر تبلغ عشرات الآلاف في منتصف القرن العشرين، باتت لا تتجاوز العشرين فردًا.
أصدر السيسي العشرات من المراسيم الرئاسية منذ تقلده المنصب، لكنه لم يمض قدمًا في إصدار قرار ينهي قانونًا تمييزيًا يمتد زمنه إلى قرن ونصف، يتطلب موافقة حكومية لبناء أو ترميم كنائس، ولا ينسحب ذلك على المساجد.
بل أن برلمانًا جديدًا يستطيع تفعيل المادة 235 من الدستور، وتمرير قانون يحكم بناء وتجديد الكنائس، ولكن بعد حوالي العامين، ونصف العام، من عزل مرسي، ما زالت مصر تفتقد لبرلمان.
وبالرغم من ذلك، ما زالت تصريحات السيسي الإيجابية مستمرة، ففي مقابلة حديثة، عرف نفسه بالمسلم المتدين الذي يحترم حرية الناس في اختيار طوائفهم الدينية، أو حتى عدم الإيمان بالله أساسًا.
لو ترجم السيسي كلماته الإصلاحية إلى حماية ملموسة لكل مصري، دون النظر للدين أو المعتقدات، ستستطيع مصر الاتجاه نحو مستقبل أفضل.
أما إذا لم يفعل ذلك، فمن المحتمل ألا يتم تذكره إلا كمجرد طاغية آخر، على حساب الشعب المصري.
دوايت بشير هو نائب مدير السياسة والأبحاث في اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية.
مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment