من الظلم الحديث عن يسرا والهام شاهين وغيرهن ممن سافرن مع الرئيس علي أنهن قررن ذلك تطوعا أو تنطعا , وعلي العكس تماما فان هؤلاء الفنانات أكثر ذكاءا وادراكا من المبادرة بقرار كهذا ويعرفن بحكم ظروف كثيرة أنه سيفتح عليهن أبواب السخرية والسباب وقد يحسم من رصيدهن الجماهيري .
ويتعامل الفنان مهما كانت قامته مع التعليمات القادمة من الرئاسة بالطاعة والطاعة فقط وليس الأمر وليد اليوم بل انه قديم وهو رد فعل طبيعي أيضا من النجم الذي يعرف أن وجوده في قائمة الأجور الأعلي والأكثر جماهيرية مرتبط برضا النظام عنه .
لذا فالأولي بالأسئلة البسيطة هو النظام الذي اختار فنانات وفنانين لزيارة ألمانيا مع الرئيس دون اعلان ولو مبرر واحد لذلك فقد يبدو الأمر مقنعا لو كان أغلب المرافقين للرئيس منتجين مثلا أو مثقفين ..لكن الفنانات ..لماذا ؟.
و لعل أكثر السينمائيين تفاؤلا يتساءل الان عن ذلك الفيلم الذي يمكن أن يصور حدثا كهذا وفي أي اطار ..هل يقدم باعتباره قرارا كوميديا أو ميلودراما أو كوميديا فارس بلا هدف ؟ ..أم أن خيال أي مؤلف سينمائي لا يستطيع الوصول لهذا السقف العالي جدا ؟
والسينما هي الفعل الفاضح الأكثر شعبية في العالم , حيث تقوم بوظيفتها الأهم بالنسبة لمجتمعها وهي وظيفة " المراة " التي تكشف عورات الجميع – وعبقريتهم – أيضا ولعل التحولات التي أحدثتها السينما في النفس الانسانية بشكل عام وفي الأنظمة الاجتماعية بشكل خاص تحتاج لمئات الالاف من الصفحات ولم يتوقف الأمر – حتي في مصر – علي تغيير قانون بسبب فيلم مثل "كلمة شرف " لفريد شوقي وأحمد مظهر أو تغيير قانون خاص بالمرأة مثل ما حدث بعد فيلم "أريد حلا " فالأمر يتجاوز العلاقة المباشرة مع الأحداث والقوانين الي تشكيل وبناء الوجدان المجتمعي العام والفردي بما يشكل منظومة قيم الفرد والجماعة ويجعله مستعدا لقبول قيم دون أخري والسينما هنا لا تصور الواقع الاجتماعي فقط ولكنها تعمل عليه ف "تبالغ في تصويره " أحيانا " كوميديا وترصده بدقة ورؤية ابداعية وتحليلية متجاوزة " الواقعية " أو تعيد تشكيله بما يتفق وحلم المبدع بعالم أفضل سواء اجتماعيا أو تكنولوجيا .
لكن المدهش أن ما يحدث الان هو محاولة من واقع هش لصناعة أفلام علي الأرض وتصديرها للفضائيات واستخدام السينمائيين فيها – من دون أجور غالبا !
والسينما تنطلق من واقع المجتمع والظواهر الأكثر انتشارا وبروزا فيه ولعل الضجة التي أثارها فيلم " عبدة موتة " ابان عرضه تؤكد علي مجموعة من النتائج الهامة للسينما وللمجتمع المصري أيضا أهمها أن الذين هاجموا الفيلم باعتبارها ينشر سلوك البلطجة اما يتعامون عن اقع المجمع المصري بعد الثورة أو لا يعيشون فيه فنحن بالفعل في قلب حالة من البلطجة تعبر عن نفسها في الاعلام والسينما كما تعبر عن نفسها في الشارع المصري تماما والنتيجة الطبيعية الثانية هي أن تلك الموجة المجتمعية من البلطجة والناتجة عن شعور الشعب المصري بذاته فرادي وجماعات بعد قهر طويل لن تتوقف ولن تنتهي بسرعة ولكنها سوف تستغرق الوقت اللازم والذي يحدده هنا ليس السينمائيون ولكنها القيادات السياسية للمجتمع فتحقيق مطالب الناس وتسييد نموذج سيادة القانون والمساواة أمامه هو ما يحكم بالاعدام علي سلوك البلطجة وليس التشهير بفيلم يطرح الامكانية الوحيدة للحصول علي الحق بالبلطجة والحقيقية أن الشارع قد ظهر في فيلم عبدة موتة أكثر جمالا من حقيقته التي تتلخص في حصول الفرد العادي وليس البلطجي فقط علي حقوقه وحقوق الاخرين بالبلطجة أما الأحداث القليلة التي شهدتها دور العرض أثناء عرضه فهي لا تعود لفيلم مسكين بقدر ما تعود لواقع مفعم بالبلطجة بدءا من أسلوب قيادة السيارة وحتي الوقوف في طابور العيش مرورا بالعمل السياسي الممزوج بالعنف ونفي الاخر .. وهذا الواقع بالتأكيد لن يفرز أفلاما رومانسية علي طريقة أذكريني أو بين الأطلال أو حتي تيتانيك فالسينما مراة المجتمع لذا من المتوقع أن تشهد دور العرض العديد من الأفلام التي تطرح نموذج البلطجي باعتباره فارس هذا الزمان حتي لو حكم عليه بالاعدام في النهاية
ولعل الكثيرون من متابعي الفن السابع يذكرون موجة أفلام المخدرات والانتقادات التي كانت توجه لها وأغلبها قام ببطولته نجوم ونجمات كبار من الجيل السابق بينهم نادية الجندي والراحل مجدي وهبة وحسين فهمي ومحمود عبد العزيز ونور الشريف ونبيلة عبيد ..وكان الاكليشيه المعروف يومها " من يشاهد هذه الأفلام يتصور أم مصر كلها تجار مخدرات " والحقيقة أن من يعود الي الأبحاث الاجتماعية في تلك الفترة يكتشف بالفعل أن المخدرات وخاصة الحشيش كان منتشرا في مدن مصر وبنادرها بشكل مرعب ثم تلاه الهيرووين ومن ثم مخدر البانجو حين انضمت طبقات مهمشة ومفلسة لمدمني المخدرات هروبا من واقع رديء ولعل المزعج في الأمر أن قيادات كبيرة جدا أمنية وسياسية كانت متورطة في تلك التجارة وهو ما يسر انتشارها لذلك صرخت السينما في أفلامها وضغطت علي اللمبة الحمراء لكن موظفو الدفاع عن الاستقرار والنظام وسمعة مصر كانوا دائما يهاجمون تلك الأفلام باعتبارها تنشر ظاهرة تعاطي المخدرات متجاهلين أنها تنقل من الواقع الاجتماعي الي الواقع السينمائي وأن العلاج هو بترها من واقعها الاجتماعي .
مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment