إن كفاح الولايات المتحدة لتشكيل قوة متمردين سورية قابلة للتطبيق على أرض الواقع دخل مرحلة هدوء صارخ بسبب الاشتباكات الأخيرة بين القوات السورية الجديدة المدعومة من الغرب وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، اضطرت القوة السورية الجديدة بالانسحاب من مقرها الرئيسي في محافظة حلب في الشمال، والتي يسيطر عليها المتمردون حنى عفرين التي يسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.
إن وفرة أعداد العناصر المسلحة في سوريا، ولكل منها شبكتها الخاصة المعقدة من التحالفات والمصالح، تصعب من إيجاد جهد موحد ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». هذا الاختلاف هو على قدم المساواة قوي ويظهر صده على مستويات متعددة كما يتضح من الخلافات في الرأي بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن أي الفصائل التي يتم دعمها. وعلى الرغم من أن وجود «الدولة الإسلامية» في شمال حلب يجعلها عرضة للهجوم على نحو متزايد، وحتما سيتم طردها من المنطقة، إلا إن الاقتتال الداخلي بين مختلف معارضيها يؤخر هذا الاحتمال.
تحليل
وفشلت القوات السورية الجديدة في جذب عدد من المتطوعين علقت الولايات المتحدة الآمال على انضمامهم، وذلك راجع في جزء منه إلى اشتراط الولايات المتحدة أن القوة يجب أن تتصدى وتحارب «الدولة الإسلامية» فقط. وعلاوة على ذلك، تم تأجيل تدريب المجندين من خلال عملية فحص دقيقة للغاية تهدف إلى ضمان أن المقاتلين لا يحملون تعاطفا مع الجهاديين. وحظي عدد قليل من المتطوعين الذين تخرجوا بإشادة فرقة الجيش السوري الحر 30.
وفي مسار جديد، وبدلا من الانتظار حتى تدريب عدد كاف من المقاتلين قبل نشرهم، دفعت الولايات المتحدة بإرسال القوات السورية الجديدة إلى سوريا في أوائل يوليو / تموز. ومع تحرك الأحداث بسرعة في شمال سوريا، باتت واشنطن تشعر أنها لم تعد قادرة على الالتزام بعملية تدقيق بطيئة للغاية ومدروسة، والتي من المرجح أن تستغرق سنوات حتى تكتمل.
ولإمداد عدد صغير من المقاتلين في الدفعة الأولى، سعت واشنطن إلى استخدام القوة السورية الجديدة كقوة تنسيق تهدف إلى تشكيل جديد من المتمردين السوريين المعتدلين يضافون إلى تحالف فاعل ضد «الدولة الإسلامية» في شمال سوريا، بدلا من أن تظل هكذا في صورة مليشيات مستقلة. ومع أقل من 60 رجلا، دخلت القوة السورية الجديدة سوريا الشهر الماضي على متن شاحنات صغيرة سوداء من طراز تويوتا هايلكس يحملون الأسلحة الصغيرة التي تقدمها الولايات المتحدة ومدافع الهاون، وعلى الأرجح بتمويل كبير. الأهم من ذلك، وصلت القوة مع ضمان ضمني من الدعم الجوي من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، والتي ستكون ضرورية للدفاع عن القوات السورية الجديدة وإقناع غيرها من فصائل المتمردين المعتدلين على الالتئام حولها.
تأثير جبهة النصرة
ومع ذلك، يمكن للخطة أن تنجح إلا إذا امتعنت القوات المتمردة «المتطرفة» مثل جبهة النصرة وجند الاقصى عن استهداف قوة سورية جديدة في الوقت الذي يتم الدخول فيه إلى مناطق المتمردين. نجاح ذلك يعتمد على تركيا، وإلى حد أقل المملكة العربية السعودية وقطر، التي تحافظ على علاقات كبيرة مع عدد من الفصائل المتمردة المؤثرة في حلب، بما في ذلك أحرار الشام وجبهة الشام وفتح حلب، وجيش التوحيد، بالإضافة إلى جبهة النصرة.
وكما أصبح واضحا في 30 يوليو / تموز، فإن هذه العلاقات لا تحمي جبهة النصرة من مهاجمة القوات السورية الجديدة. المجموعة الجهادية، التي عانت من ضربات أمريكية متكررة في الأشهر الأخيرة، على ما يبدو أنها حسبت أن تكلفة إغضاب بعض حلفائها المتمردين الرئيسيين كانت أقل من الاستفادة من تحييد القوة السورية الجديدة. وتدرك جبهة النصرة تماما أنه يجب أن تطرد «الدولة الإسلامية» من محافظة حلب، قوة سورية الجديدة النشطة مدعومة بقوة أمريكية جوية كبيرة يمكنها إذن تحويل انتباهها إلى منافستها التي على صلة بتنظيم القاعدة.
وبعد هجومها على القوات السورية الجديدة، أصدرت جبهة النصرة عدة رسائل وأشرطة فيديو تشرح بدقة الأسباب وراء الهجوم في محاولة واضحة للحد من غضب حلفائها. إنها تستخدم نفس التكتيك بعد أن هاجمت وهزمت الحركة الإسلامية «حزم» وجبهة ثوار سوريا في إدلب وحلب التي تدعمها الولايات المتحدة في فبراير / شباط 2015 وأواخر عام 2014، على الرغم من علاقات هذه الجماعات بالمنظمات المتمردة الأخرى المتحالفة مع جبهة النصرة.
انسحاب القوات السورية الجديدة إلى إقليم عفرين يمكن أن يوفر هدنة مؤقتة، والتوتر قد يتصاعد أيضا بين وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين وجبهة النصرة باندلاع عدد من الاشتباكات التي تحدث بين الجانبين. ومن جانبها، فإن وحدات حماية الشعب الكردية قد تحاول كسب ود الولايات المتحدة من خلال حماية القوة السورية الجديدة، على الرغم من أن هذا سيكون محفوفا بالمخاطر لأن ذلك من شأنه جذب عدوان جبهة النصرة. تركيا، في الوقت نفسه، من المرجح أن تعارض أي تنسيق بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب التركية، مما يحد من الخيارات المتاحة للاستخدام الفعال للقوة السورية الجديدة.
القيود المتأصلة في استراتيجية الولايات المتحدة
القوة المتمردة المعتدلة القائمة الآن والمشكلة خصيصا لمهاجمة «الدولة الإسلامية» فقط، وتعرف باسم القوة السورية الجديدة، ببساطة لن تجذب العديد من المجندين. الاصطفاف مع وحدات حماية الشعب الكردي يمكنها أن تكون فاعلة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ولكن هذه الاستراتيجية تقتصر على عدد قليل نسبيا من الأكراد في سوريا، فضلا عن معارضة قوية من تركيا، التي لا تزال ترمق وحدات حماية الشعب بعين الريبة والعداء.
حتى عندما حقق البرنامج السري لـ «سي آي إيه» لتجهيز وإمداد وحدات الجيش السوري الحر بعض النجاحات، مثل وحدات الجبهة الجنوبية والشعبة الساحلية 1، فإن هذه الفصائل إما مركزية بشدة أو أنها أكثر بعدا واستقلالا عن القوة السورية الجديدة، وظهر ذلك في مرات المشاركة بنشاط في العمليات العسكرية حيث تكون جبهة النصرة هي الشريك المهيمن. وقد ثبت أن هذا صحيح بشكل خاص مع وحدات الجيش السوري الحر التي تعمل جنبا إلى جنب مع جيش الفتح في المحافظات الشمالية من سوريا مثل إدلب وحماة واللاذقية، حيث التضاريس البشرية وديناميكيات الصراع تختلف كثيرا عنها في محافظات وأقاليم الجنوب.
المصدر | ستراتفور
0 التعليقات:
Post a Comment