لقد جاء القرار التركي الأسبوع الماضي لمواجهة «داعش» تماما في 20 يوليو/تموز بعد عملية انتحارية في سروج بالقرب من الحدود السورية أدت إلى مقتل حوالي 32 شخصا وبعد ثلاثة أيام تقريبا قتل جندي تركي بالقرب من نقطة تفتيش.
وفي 24 يوليو/تموز سمحت تركيا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء آخرين باستعمال قاعدة إنجرليك التركية جنوب البلاد وقواعد أخرى وتنفيذ عمليات قصف ضد أهداف لـ«داعش» في الأراضي السورية، وكانت أنقرة قد رفضت سابقا طلبات أمريكية عديدة من خلال الإصرار على اتفاقيات سابقة بين الطرفين تركز على الإطاحة بالنظام في سوريا.
ويعتقد أن التحول التركي تجاه «تنظيم الدولة»، والذي جاء بعد مفاوضات طويلة بين البلدين تم خلال زيارة قام بها وفد أمريكي رفيع المستوى في يوم 7 يوليو/تموز انتهى بمباحثات هاتفية بين الرئيس «أوباما» وبين الرئيس «رجب طيب أردوغان» يوم 22 يوليو/تموز.
وأكدت تركيا ترسيخ تحالفها مع واشنطن بعد أن كانت تعارض ولا ترغب في السماح باستخدام قاعدة «إنجرليك».
والتغيرات التي جرت لأول مرة بعد تصريح الرئيس «أوباما» في قمة مجموعة الـ7 في ألمانيا، حيث قال أن تركيا فشلت في عمل كل ما بوسعها لمواجهة «تنظيم الدولة»، وبالأخص في منع تدفق المقاتلين الأجانب عبر أراضيها إلى سوريا. والتغير الأكبر في تركيا هو قيامها في أعقاب ذلك بقصف عدد من المواقع للتنظيم عبر حدودها مع سوريا في 24 يوليو/تموز و إلقاء القبض على مئات الأعضاء الأتراك والأجانب التابعين لـ«داعش» والمتعاطفين معها في جميع أنحاء البلاد.
يبقى أن نرى مدى تأثير السياسة التركية الجديدة، وعلى وجه الخصوص إمكانية الوصول إلى قاعدة إنجرليك التي هي أقرب بكثير من أهداف «داعش» من القواعد المستخدمة حاليا، و من الواضح أن هذه الحملة لن تنجح في تدمير قدرة «داعش» لأن هذا الهدف يعتمد على نطاق و مدى التغيرات السياسية التركية.
وبعد أن فشلت تركيا طويلا في اتخاذ تهديد «داعش» على محمل الجد كما أراد حلفاؤها الغربيون يوجد عدة تساؤلات مشروعة، أولها هل تركيا ستستمر في التعاون الكامل في الجهود الدولية لكبح جماح تهديدات التنظيم؟
وفي هذا السياق توجد ملاحظة هامة وهي أن «أردوغان» في 24 يوليو/تموز قال أن السماح باستعمال قاعدة أنجرليك هو ضمن إطار معين، كما يوجد سؤال أيضا ذو مغزى وهوما الذي تنوي تركيا القيام به حيال المجموعات المتطرفة الأخرى مثل تنظيم «النصرة» و«أحرار الشام»، وهي تنظيمات نشيطة في سوريا و مستهدفة من الولايات المتحدة؟
وفي الحقيقة، فإن التحول التركي ضد «داعش» رافقه تجديد الضربات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لأول مرة منذ ثلاث سنوات. ويتضح جليا أن أولوية تركيا هي المعركة ضد حزب العمال الكردستاني وليس تنظيم الدولة، على الرغم من أن بعض القادة الأتراك يعتبرون تهديدات حزب العمال وتنظيم الدولة ضد تركيا متساوية، وأن القصف التركي في العراق يزيد من تعقيد الوضع الصعب بالفعل في ذلك البلد، و يثير شكوكا حول مستقبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والميليشيات الكردية، وخاصة أن حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا يرتبط بعلاقات مع حزب العمال الكردستاني، والذي يعتبر هذه الضربات التركية تهديدا له من خلف الحدود الجنوبية في الصراع ضد «داعش».
وفي نفس الوقت، فإن ضرب أهداف حزب العمال الكردستاني سيكون له تأثير ينهي بشكل فعال عملية السلام وسيزيد التوتر بين الأتراك والأكراد في تركيا وسيزيد العنف في الجنوب الشرقي الكردي وهو ما لم تشهده البلاد منذ التسعينات.
بالرغم من أن الرئيس «أوباما» اختار أن يتجاهل هذا كله في مباحثاته مع «أردوغان» إلا أن التحول في السياسة التركية جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة على خلفية الاضطراب السياسي الداخلي.
لقد كانت تركيا في طي النسيان منذ انتخابات 7 يونيو/حزيران التي خسر فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم الأغلبية البرلمانية. وفي حال عدم وجود اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية ستكون القرارات بيد رئيس الدولة «أردوغان» إلى حد ما.
والناظر إلى الحكومة المؤقتة من قبل رئيس الوزراء «أحمد أوغلو» ومعارضي «أردوغان» – خاصة حزب الشعوب الديمقراطي ذو الأغلبية الكردية والمذموم من قبل «أردوغان» وحزب العدالة والتنمية لتحالفه مع حزب العمال الكردستاني – كل هذا يطرح تساؤلا حول إذا ما كان التحول في السياسة التركية قبل أسبوع هو لإنشاء نوع ما من الحياة السياسية.
* «بولنت علي رضا» هو زميل بارز و مدير مشروع تركيا في مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية في واشنطن.
المصدر | مركز العلاقات الاستراتيجية
0 التعليقات:
Post a Comment