هناك فائض طاقة عند شباب مصر: فائض طاقة يعبر عن نفسه فى تجمعاتهم بين التشجيع فى مباريات كرة القدم وصولاً إلى السباب أو مناسبات الغضب الجماعى مثل الاعتداء على المنشآت العامة والخاصة وصولاً إلى تبادل العنف مع قوات الشرطة.

هذه طاقة سلبية جماعية لا تجد متسعاً للاستفادة منها.

ألا تتذكر ذات مرة أنك أردت أن توجه لكمات لأى شخص تقابله حتى بدون سبب؟ هذه طاقة سلبية تريد أن تخرجها. وحين يكون فائض الطاقة كبيراً، فإن موجات الغضب والعنف تزداد لدرجة أن صاحبها يرفض أصلاً أن يعترف بهذا. وتابعوا تعليقات «شباب الغضب» على هذا المقال بعد أن ينشر، فسيجدون فى شخصى المتواضع هدفاً ملائماً لمشاعر الغضب والحنق والضيق المتفاعلة داخلهم.

عندى سؤال: هل من يلقون المولوتوف على الشرطة أمام السفارة الأمريكية يفعلون ذلك حُباً فى الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم؟ وهل من لا يشاركونهم الهجوم على الشرطة ولا يسعون لإحراق السفارة الأمريكية أقل حباً وتقديراً للرسول الكريم منهم؟

وهل من المنطقى أن يكون الشخص الذى يسب دين صديق له حريصاً بالفعل على الرسول الكريم ضد من أساءوا إليه؟ أم نحن نشتم ديننا ونهينه ولا نقبل أن يفعل ذلك الآخرون لأسباب شخصية لا علاقة لها بالدين أصلاً؟

أنا أحزن مع كل مرة يهان فيه رمز إسلامى، ولكن أعلم أن هذه هى عادة المتطرفين فى كل مكان وزمان مع كل دين يتخذونه عدواً لهم. وقد قالها القرآن الكريم: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم». ونحن لن نرضى عنهم حتى يتبعوا ملتنا. ولكن دون الرضا هناك القبول. أنا أقبل وأتعايش مع أتباع الديانات الأخرى، لأنهم، من وجهة نظر دينى، قد اختاروا أن يعبدوا ربى وفقاً لعقيدة غير عقيدتى، وبما أن ربى قادر على كل شىء، فقد ترك لهم الاختيار إما أن يؤمنوا وإما أن يكفروا. إذن ماذا أملك أنا إذا كانت هذه هى إرادة خالق الكون فى تخييره للعباد بين الإيمان والكفر؟

لقد نزلت الشارع عدة مرات فى عِزّ الطوب والغاز المسيل للدموع والمولوتوف حتى أمنع أن يراق دم أو أن يصاب مصرى بأذى. وقد كانت دائماً تجارب مريرة، كدت فى إحداها أن أموت خنقاً بسبب كمية الغاز الذى استنشقته، وظللت لفترة طويلة لا أملك السيطرة التامة على حركات جسمى. ولا أعرف لماذا يقدم شخص عاقل على أن يعرض حياته أو حياة مصرى آخر للخطر وربما للموت فى معركة الكل فيها خسران. مصر خسرانة بعدد من يصاب ومن يستشهد.

ما الحل؟

الحل قديم منذ أن قرر بناة الأهرامات بناء الأهرامات، وبناة سور الصين العظيم بناءه، وبناة ناطحات السحاب فى العالم كله بناءها. الحل فى مشروع قومى ضخم وعظيم يلهب الحماس، ويطلق الطاقات، ويرفع من إحساس المصريين بالفخر. مشروع كبير، نشارك فيه جميعاً، وكأننا على قلب رجل واحد لا يضرنا فيه هواة «خالِف تُعرف». يمكن من أجله أن نربط الأحزمة أو حتى أن نستدين، طالما أن دراسات الجدوى تقول إننا سنستطيع أن نسدد القروض. تركيا مدينة اليوم اثنى عشر ضعف ما كانت عليه من عشر سنوات، لكنها اليوم تستطيع سداد ديونها كاملة وأن تقرض العديد من الدول معها.

مشروع مثل تعمير القناة وتحويلها إلى مركز جذب تصنيعى وتمويلى وإسكانى، يمكن أن يكون نقطة بداية موفقة. الزخم الذى كان حول مشروع توشكى، سامح الله من أوقعنا فيه، لو كان ذهب لمشروع أكثر جدوى اقتصادياً، لكان هو الحلم المشترك.

صدق ابن الخطاب رضى الله عنه: «هذه الأيدى خلقت لتعمل، فإن لم تجد فى الطاعة عملاً، وجدت فى المعصية أعمالاً». وربما تكون معصية اليوم هى مناسبات الغضب الجماعى التى يحرص فيها المصرى على إصابة أخيه المصرى بكل أذى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -