الآن وبعد أن هدأ غبار المعركة، وأفرغنا شحنات الغضب، البرىء منه وغير البرىء، جاء الوقت لنريح الحناجر قليلا ونستدعى العقل ونفكر بروية بحسابات المكاسب والخسائر الناجمة عن غزوة السفارة الأمريكية فى عواصم عربية عدة.



ينبغى أن نواجه أنفسنا بأسئلة اللحظة وأولها: هل كان هذا الفيلم المفرط فى وضاعته وانحطاطه فكريا وفنيا يستحق الغضب؟ نعم كان يستحق تسجيل موقف غاضب وبأوضح صور الغضب.



السؤال التالى: هل نجحنا فى اختبار الغضب؟



الإجابة أن أداءنا جاء أشبه بأداء محام فاشل فى قضية مضمونة النجاح، فكانت النتيجة أننا لم نكسب القضية وإن كنا لم نخسرها بعد.. والحاصل أننا لم ندرس الموضوع جيدا قبل أن ننبرى للمرافعة، فارتكبنا الكثير من الأخطاء الخرقاء التى أساءت لقضيتنا، على عدالتها وسطوع حقنا فيها، وقدمنا لخصومنا فيها ما يجعلهم يتركون الموضوع الأساسى ويأخذوننا إلى هوامش أوجدناها بسوء أدائنا.



غير أنه قبل ذلك كله لابد أن نسأل: من الذى سلط الأضواء على عمل تافه لم يذهب لمشاهدته إلا عدد أصابع اليد الواحدة حين تم عرضه فى أمريكا؟



للأسف الشديد أناس منا هم الذين روجوا لهذا القبح حين عرضوا مقاطع منه على شاشات تعتبر نفسها المدافعة عن الإسلام ورسوله، فلفتوا إليه الأنظار وصنعوا لها دعاية مجانية، ما كان يمكن أن تتحقق لصناعه لو أنفقوا ملايين الدولارات عليها.



إننا قبل أن نلوم الجموع التى انتفضت واشتعلت بالغضب بعد مشاهدة هذا الغثاء، يجب أن نوجه لومنا للذين روجوا له وأدخلوه بيوتنا، وجعلونا نشاهده من باب الفضول، وكواحد من ملايين شاهدوا هذه الجريمة الفنية والإنسانية على «يوتيوب» بكيت ألما من هذه الإهانة الوقحة والتزييف الفج والسفالة والتدنى فى العداء لسيد البشرية المرسل إليها بالرحمة والعدل والحضارة، محمد عليه الصلاة والسلام (سيد الأوجه الطالعة وراية الطلائع من كل جنس، منفرط على أكمامه كل دمع.. ومفتوحة ممالكه للجائعين.. إيقاع نعليه كلام الحياة فى جسد العالم) كما عبر عنه الشاعر الراحل محمد عفيفى مطر وهو يهديه ديوانه «أنت واحدها وهى أعضاؤك انتثرت».



إن الذين أهانونا وأساءوا إلينا فى شخص النبى الكريم بجلافتهم الفكرية وغوغائيتهم الفنية يتهموننا الآن بالهمجية والغوغائية، بعد أن استبد بنا الغضب وجرفنا إلى شواطئ العنف والدم، وثبتوا كاميراتهم على المشاهد الأخيرة فى السيناريو الكريه.



لقد كسب اليمين الصهيونى المتطرف من هذه الغزوة، بعد أن نجحنا فى تقديم أسوأ صورة لنا أمام العالم.. وداخليا أخشى أن ندفع الثمن من دستورنا القادم، وبشكل خاص ما يتعلق بالحريات فيه، وفى مقدمتها حرية الاعتقاد وحرية الفكر والتعبير.. فمن يجرؤ الآن على الحديث عن هذه القيم والحقوق بعد أن اقتيدت الأمة كلها للحرب على عمل سينمائى تافه، وسيقت الجموع للقتال فى غزوة السفارات؟

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -