عكفت خلال الأيام الماضية على قراءة بعض القوانين البريطانية والكندية والألمانية المتعلقة بالفصل داخل مؤسسات وأجهزة الدولة بين المناصب والمواقع السياسية من جهة والمناصب التنفيذية والإدارية من جهة أخرى.

ونقطة انطلاقى الأولى هنا هى الاقتناع بكون الديمقراطية، كنظام للحكم، ليست مجرد انتخابات دورية ونزيهة، بل أيضا تفعيل كامل للمساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص بين المواطنات والمواطنين لن يتحقق إلا بحيادية الدولة ومؤسساتها وأجهزتها القائمة على الخدمة العامة. نقطة انطلاق ثانية هى حقيقة أن الديمقراطية تهدف لتداول السلطة بين سياسيين منتخبين يتنافسون على تحقيق صالح المجتمع العام وكون التداول هذا يستدعى حيادية الدولة كى لا تضطرب مؤسساتها وأجهزتها كلما تغير رئيس أو تبدلت أغلبية برلمانية.

نقطة انطلاق ثالثة هى البحث عن مخرج لنا فى مصر من خطر هيمنة جماعة الإخوان وحزبها على الدولة، ذلك الخطر الذى تبدت ملامحه بوضوح عبر التعيينات الجديدة لبعض المحافظين ولرؤساء مجالس إدارات وتحرير المؤسسات الصحفية المملوكة للشعب وعضوية بعض المجالس النوعية كالقومى لحقوق الإنسان والأعلى للصحافة.

تقصر القوانين البريطانية والكندية والألمانية الخاصة بحيادية الدولة وحيادية الخدمة العامة (public service impartiality laws) المناصب والمواقع السياسية على المسئولين المنتخبين والمرتبطين بهم بصورة مباشرة.

لرئيس الوزراء فى بريطانيا وكندا وللمستشار فى ألمانيا، والدول الثلاث تعتمد النظام البرلمانى، أن يختار فريقه الحكومى من حزبه والأحزاب المتحالفة معه، وله وللفريق الحكومى أن يختاروا مجموعات من المساعدين والمستشارين السياسيين من بين أعضاء أحزابهم والمناصرين لهم. ويشار لمناصب ومواقع المساعدين والمستشارين، وهم غير منتخبين، بعبارة التعيينات السياسية أو المعينين السياسيين. هؤلاء، شأنهم شأن رئيس الوزراء والوزراء، يأتون لمؤسسات الدولة وأجهزتها وفقا للأغلبيات الحاكمة ويرحلون بتغيرها.

أما العدد الأكبر من المناصب والمواقع بالدولة فيشغل قليل منها بالانتخاب المباشر، كالمحافظين فى بريطانيا أو حكام الأقاليم والولايات فى كندا وألمانيا. بينما تطبق قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص والحيادية إزاء الانتماء السياسى والولاء الحزبى فى ما خص كافة المناصب والمواقع الأخرى.

ولإحكام الرقابة على المسئولين المنتخبين ومساعديهم ومستشاريهم والأحزاب السياسية القابعة خلفهم، أضاف المشرع فى الدول الثلاث، وفى قوانين تفصيلية، قواعد وضمانات كثيرة للحفاظ على حيادية الدولة وابتدع أجهزة رقابية مهمتها التأكد من عدم تسييس المناصب التنفيذية والإدارية (الموازية مثلا لوكلاء الوزارات ومديرى المديريات والمسئولين المحليين فى الحالة المصرية) ومحاسبة المنتخبين إن أخلوا بالقواعد والضمانات. ويسرى ذات النهج على المجالس النوعية المستقلة، المشابهة فى حالتنا للقومى لحقوق الإنسان وللأعلى للصحافة وغيرهما.

ليست الديمقراطية مجرد صندوق انتخابات، وليست الدولة بمناصبها ومواقعها بتركة تتخاطف. وواجبنا الآن أن نضغط لإنجاز حزمة قوانين تضمن التمييز بين السياسى والإدارى فى جسد الدولة وتحمى حيادية المؤسسات والأجهزة. فبدونها لن تصبح انتخاباتنا نزيهة وعادلة بالفعل.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -