لا أفهم كيف لخطيب يقف على منبره بعد ١٥ قرنا من استقرار ورسوخ الإسلام فى مصر، ليبشر الناس بأن الإسلام قادم إلى مصر.


ولا أعلم كيف يرى هؤلاء مصر بلا إسلام والغالبية الكاسحة من شعبها مسلمون، يحجون ويعتمرون بالملايين كل عام، ويبنون آلاف المساجد والزوايا كل سنة، ولديها الأزهر الشريف، الجامع والجامعة التى تمد قارات الدنيا الست بالخريجين؟


كيف لهؤلاء أن يصوروا للناس أن مصر لاتزال تنتظر الإسلام، بينما هناك عدة أمتار مربعة فى حى العباسية اسمها «مدينة البعوث» أعدت لدول العالم الإسلامى كله من تولوا حكم بلادهم بعد تعلمهم وتخرجهم فى مصر الأزهر، ومنهم الرؤساء والوزراء؟


إن المشهد يبدو مثيرا للدهشة حين يقف خطيب الجمعة فى أسيوط أمام رئيس جمهورية منتمى للإخوان المسلمين، فى دولة سيطر على برلمانها الأخير الإسلاميون ليقول إن الإسلام قادم لا محالة، وكأنه لا يعترف بأن كل هذه المظاهر الإسلامية لا تمثل حضور الإسلام ورسوخه واستقراره.. أو كأنه يعتبر أن مصر لم تعرف الإسلام بعد.


على الناحية الأخرى، وكما نشر موقع اليوم السابع تجد الأنبا موسى أسقف الشباب بالكنيسة المصرية يعلن أن الإسلام حرر المسيحيين فى مصر من الاضطهاد، موضحا فى حديثه لبرنامج «مصر النهاردة» أن عمرو بن العاص حينما جاء إلى مصر أرجع البطريرك لكرسيه، وأعاد له كل كنائسه، بعد أن كان هناك بطريرك يونانى اضطهد المسيحيين رغم أنه مسيحى، قائلا: هذا هو الإسلام.


وهذه مفارقة مدهشة للغاية، حيث لايزال إمام المسجد ينتظر قدوم الإسلام لمصر، بينما رجل الدين المسيحى يقر برسوخه فى التربة المصرية منذ أيام عمرو بن العاص.


وهذا الاستغراق فى الحديث عن الهوية وعلاقة الدولة بالإسلام يشعرك وكأن مصر دولة وليدة، اكتشفت على الخارطة للتو، وفى حالة بحث عن ملامح حضارية وثقافية، فى انتظار فاتحين جدد يأتون إليها بالإسلام، وأحسب أن مثل هذا الحديث يهين الإسلام ويسىء إلى مصر فى الوقت ذاته، ذلك أنه يحمل اعترافا ضمنيا بأن مصر لم تهضم الإسلام بعد، رغم مرور ١٥ قرنا من الزمان على دخول أهلها فيه.. وهذا كلام يجافى الواقع والتاريخ والجغرافيا، وينفى عن مصر كونها منارة الإسلام الوسطى المعتدل، وقبلة الباحثين عن العلم والفقه الصحيح بأمور الدين من كل دول العالم.


وأحسب أن مطلقى هذه الصيحات الزاعقة يدركون جيدا أن هوية مصر ثابتة وضاربة بجذورها فى أعماق المجتمع، ولا تحتاج إلى إعادة اختراع مرة أخرى، لكنه ــ مجددا ــ الاستدعاء الفج لقضية الهوية للاستخدام فى صراع سياسى على وقع التجاذب حول الدستور والجمعية التأسيسية، بالطريقة ذاتها التى أديرت بها اللعبة السياسية إبان استفتاء مارس سيئ الذكر على تعديلات الدستور. وأزعم أن الجماهير استوعبت الدرس وخبرت اللعبة جيدا، ولن تساق مرة أخرى لألاعيب السياسة عن طريق العزف على وتر الدين والهوية.

4 التعليقات:

  1. الاسلام اخلاق ومعاملات مالية ونظام دولة متكامل وليس ديانة في البطاقة
    احنا محتاجين فتح اسلامي جديد يا استاذ لأن بعضنا لا يعرف ماهو الاسلام ومتخيله موجود بالفعل

    ReplyDelete
  2. وهو قادم للعالم كله وليس لمصر فقط ان شاء الله

    ReplyDelete
  3. يبدو ان كاتب المقال لا يعرف ويدعى انه يعرف ... لا يعرف ما هو الاسلام الذين ينادى به المخلصون لله ... الاسلام دين ودولة طاعة وعبادة وطن وجنسية اسلام يحكم ويتحكم فى حياتنا اليومية واحكامة تطبق علينا

    ReplyDelete
  4. انا من الناسى التى تحترما/وائل قنديل ولكن أفة الاعلام والصحفيين انهم يريدون ان يدلو بلوهم فى كل شىء ...يااخى الكريم : الخطيب يقصد الاسلام الذى دخل مع عمرو ابن العاص ببساطة ليس اسلام وحج فيفى عبده ولا الهام شاهين ولا مسخرة عادل امام او اسلام البرادعى وحمزاوى فكلهم مسلمين لكن مازالو يحتاجون لأن يكونو- ونحن أولهم - اكثر التزاما وتعرفا على ديننا الاسلامى الحق ..لا داعى للهجوم فقط والاعجاب بمقولة القسيس فقط ..دعونا نظل نحترمكم وننتظر منك الكثير من النقد--- البناء--

    ReplyDelete

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -