ليس بالضرورة أن يكون الرئيس فى أى دولة هو أذكى وأقوى وألمع شخص فى الدولة، لكن بالضرورة أن يكون الأكثر قدرة على فهم الرجال والتفرس فيهم واختيار الفريق الرئاسى الذى يقوّى كافة جوانب الضعف فيه ويساعده فى قيادة سفينة الوطن لمواجهة الأنواء والعواصف بتوازن واقتدار، وأن يكون واسع الأفق، حليم الطبع، متأنياً فى قراراته، حازماً حاسماً فيها، يحمل مواصفات رجل الدولة فى فكره وفهمه وأدائه وسعة أفقه ورحابة صدره وإلمامه بالجوانب المختلفة للدولة التى يحكمها والشعب الذى يتولى أمره، وقد اختار الشعب المصرى الرئيس محمد مرسى ليس بمواصفاته التى لم يكن أحد يعلم عنها شيئاً، ولكن ثقة فى الجهة التى رشحته وهى جماعة الإخوان المسلمين، ونجح مرسى بفارق ضئيل عن منافسه بدعم الإسلاميين والمتدينين وعموم الشعب المصرى، من ثم فإن كل ما يقوم به مرسى سلباً أو إيجاباً سوف ينعكس على جماعة الإخوان المسلمين وتاريخها وعقيدتها ومنهجها ووجودها فى الشارع المصرى، وعلى المشروع الإسلامى الذى حملته هذه الجماعة طيلة ما يزيد على ثمانين عاماً، وهو مشروع أمة وليس مشروع دولة، عُلق على أعواد المشانق بسببه عشرات من الإخوان، وسُجن واعتُقل مئات الآلاف منهم، من ثم يجب أن يدرك الرئيس مرسى أن الناس اختاروه بناء على مشروع وتضحيات وفكر وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين وليس على شخصه.
الرئيس مرسى كشخص يمكن أن يكون من أتقى الناس وأكثرهم ورعاً، لكن سدة الحكم لا تبحث عن التقى الورع فقط، ولكن تبحث عن العادل الحازم الواعى بزمانه وبالناس، وأستطيع أن أؤكد من خلال متابعتى للمشهد المصرى أن الرئيس محمد مرسى فقد توازنه فى الأداء السياسى منذ اندلاع أزمة النائب العام فى شهر أكتوبر الماضى، بعدما تمكن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه أن يوجه عدة ضربات داخلية وخارجية رفعت شعبيته على رأسها إقالة المجلس العسكرى وخطابه فى إيران، ثم انتكس الأداء الرئاسى بعد أزمة النائب العام وأصبح يتسم بردود الفعل والعشوائية والتخبط والتأخر والتراجع فى اتخاذ القرارات أو التهديد والوعيد بشكل لا يليق مع الشعوب الحرة كما حدث فى الخطاب الأخير الذى فرض فيه الطوارئ وحظر التجول فى مدن القناة، فالخطابات ليست نصوصاً تُقرأ، ولا تعليمات تُلقى على الشعوب، ولكنها أداة للتواصل والتفاهم ونزع الاحتقان وتوضيح الحقائق للناس، لذا فهى تحتاج إلى دقة الصياغة وحسن الأداء وجودة الإلقاء، ولا أدرى لماذا لا يخضع الرئيس مرسى نفسه طالما أن الشعب اختاره رئيساً لأربع سنوات للتدريب فى الإلقاء والأداء، حتى لا ينفر الشعب منه وتصبح خطاباته لا قيمة لها عند الناس بعد ذلك. إن كل الأمم والشعوب تترقب خطابات رؤسائها وهى دائماً تكون رسائل واضحة للناس، تحمل لهم الأمل أو تحذرهم من الخطر، أو تطالبهم بتحمل المسئولية المشتركة أمام المحن والمصائب، وإذا كان هناك قرارات فعادة ما تكون مدروسة بعواقبها وتوابعها وتأثيراتها على الشارع والناس.
هل الرئيس مرسى سعيد بقيام أهالى القناة بتحدى قراره بحظر التجول علناً على شاشات التلفزة؟ وهل درس ردود الفعل المرتقبة لقراره قبل أن يصدره؟ ولماذا أعلن فى اليوم التالى استعداده لتقصير المدة ثم منح فى اليوم الثالث السلطة للمحافظين؟ هل الإخوان المسلمون الذين يحكم مرسى باسمهم سعداء أو شركاء فى هذه القرارات العشوائية المتخبطة التى تصدر من الرئاسة؟ وهل هم سعداء أو شركاء فى أن يقوم الرئيس مرسى بالتنازل إلى حد مناشدة قيادات جبهة الإنقاذ أن ينضموا للحوار ويواصلوا حالة الابتزاز للدولة وكأن انضمامهم هو الذى سيوقف مسلسل العنف فى البلاد، وهذا يعنى كما ذكرت من قبل أنهم يجب أن يحاكموا لا أن يحاوروا إذا كانوا هم الذين يحركون العنف ويديرون البلطجة فى مصر.
أقولها بوضوح وشفافية.. ولا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيهم إن لم يسمعوها، إن الأداء المتخبط لمؤسسة الرئاسة فى مصر فى هذه المرحلة جعل شعبية الإخوان المسلمين والإسلاميين بشكل عام تتراجع يوماً بعد يوم بشكل كبير، وإذا استمر هذا التخبط فسوف يفقد المشروع الإسلامى مكانته وتعاطف الشعب المصرى معه، وعلى الإخوان المسلمين أن يتقوا الله فى مصر وشعبها وأن يقدموا مصالح الأمة على مصالح الأفراد، وأن يلزموا الرئيس مرسى إذا كان يحكم باسمهم بالشورى الملزمة من خلال استكمال مؤسسة الرئاسة بالرجال الأكفاء من أهل مصر الأخيار وليس من الإخوان وحدهم لأن مصر أكبر من الجميع، وأن يكون من بين هؤلاء رجال أحرار يفهمون فى إدارة الدول ويستطيعون أن يقولوا للحاكم لا وهذا خطأ وهذا صواب، وإلا فإن مصر وثورتها على حافة الهاوية، كما أن المشروع الإسلامى الذى هو مشروع الأمة أصبح مهدداً، ولو ذهب لن يعود حتى بعد مائة عام.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
0 التعليقات:
Post a Comment