بسم الله الرحمن الرحيم، يا رب صوّب كلامنا لما فيه صالح بلدنا. آمين.
استقر عند كثير من الدول الديمقراطية مقولة «لا تفاوض مع الإرهابيين أو مستخدمى العنف ضد المواطنين السلميين فى خارج إطار ساحات القتال».
أى إن الديمقراطيات لا ينبغى أن تقدم تنازلات فى مواجهة الإرهاب أو مستخدمى العنف أو المهددين به، ولا أن تعطى مكافآت للإرهابيين مهما كانت أسبابهم أو مبرراتهم. لماذا؟ عادة تكون حجج هؤلاء فى ثلاثة اتجاهات: أولاً التفاوض يعطى شرعية للإرهابيين، كما يعطى لاستخدام العنف وللتهديد به وزناً سياسياً أعلى كأداة مشروعة. ثانياً، التفاوض مع الإرهابيين يعطى إشارة سلبية إلى أن الراغبين فى التغيير السلمى لن ينجحوا إلا إذا لجأوا للأساليب العنيفة أو التهديد بها. ثالثاً التفاوض مع الإرهابيين ينال من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ومحاصرته.
السطور السابقة تلخص المواقف المعلنة لعشرات الدول التى تتبنى نفس المبدأ، بل والذى أقرته العديد من تقارير الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن بشأن قضايا مشابهة.
ولكن على أرض الواقع، وهذه واحدة من معضلات السياسة، أن المعلَن يمكن -بل ينبغى- أن يتعارض مع الممارَس فعلياً، الحكومات الديمقراطية تتفاوض مع الإرهابيين. وظلت الحكومة البريطانية حريصة على مسار تفاوض سرى مع الجيش الجمهورى الأيرلندى الذى كانت تصفه بأنه إرهابى. بل زاد التفاوض بعد أن قام بعض التابعين له بشن هجوم شديد على مقر الحكومة البريطانية فى 10 داوننج ستريت فى عام 1991.
بل إن الحكومة الإسبانية تفاوضت فى عام 1988 مع حركة «إيتا» الانفصالية، التى كانت تصفها الحكومة الإسبانية بأنها حركة عنصرية وانفصالية وإرهابية، فقط بعد ستة أشهر من قتلها لحوالى 21 مواطناً إسبانياً فى هجوم إرهابى على سوبر ماركت.
وإسرائيل التى تزعم لنفسها أنها «أكثر دول العالم تعرضاً للإرهاب» وجدت أنه من الضرورى أن تتفاوض مع من تعتبرهم «إرهابيين» فى عام 1993 بما أفضى إلى اتفاق أوسلو.
إذن هناك انفصال واضح بين المعلَن والممارَس فى مسألة عدم التفاوض مع الإرهابيين والمهددين باستخدام العنف. وهو انفصال تضطر إليه الدول لأنه يقلل من السلبيات الثلاث المشار إليها ويسمح لها فى نفس الوقت بالتفاوض عبر مسارات غير رسمية لتعظيم مصالحها.
إذن، ولو كان لشخصى المتواضع أن يقدم بعض أفكار للقائمين على الأمر:
أولاً، المعلَن ينبغى أن يكون أنه لا تفاوض مع الخاطفين قولاً واحداً، ولا مجال لتقديم أى تنازل من أى نوع فى أى اتجاه. بهذا نحافظ على «فكرة» الدولة، مع ملاحظة أننى لم أقل للمحافظة على «هيبة» الدولة لأن الموضوع ده بيوجع بغض النظر عما يحدث فى سيناء الآن.
ثانياً، الفعلى هو أنه لا بد أن يكون هناك تفاوض تقوم به أجهزة أمنية عليا، بالتعاون مع مشايخ وعواقل أهالى سيناء الكرام، على قاعدة أن هؤلاء مواطنون أخطأوا خطأً جسيماً فى حق الوطن، ولن يفلتوا من العقوبة مهما حدث، إنما النظر فى تخفيف العقوبة ممكن فى ظروف استثنائية.
ثالثاً، لو حدث أى قتل لأى جندى من أبنائنا المخطوفين، يعنى أن الدم عند هؤلاء سهل وأنه لا حرمة له، وأنهم مستعدون أن يعاقبوا أبرياء على قرارات (ربما تكون صحيحة أو خاطئة) اتخذها غيرهم، فى هذه الحالة، تتحول المسألة من مفاوضات غير معلنة إلى اشتباك فعلى لا بد أن ينتهى بتعليق هؤلاء على أعمدة عالية تصورها كاميرات التليفزيون والصحافة باعتبارهم إرهابيين تم القضاء عليهم فى عملية عسكرية كان الهدف منها تحرير الأبرياء من المختطفين. وتكون رسالة قوية للجميع أن هذا البلد فيه قوات أمن، اختارت لفترة ألا تستخدم العنف، ولكنها تلجأ له حين لا بديل عنه.
رابعاً، كل هذا لا ينسينا أصل المشكلة، وهو أن أهلنا فى سيناء يعانون ويئنون لعقود بسبب سياسات مجحفة بهم، ووعود أعطيت لهم ولم يتم الوفاء بها.
سيناء أعادها السابقون بالحرب والدم ونحن نضيّعها بالغفلة والتقصير.
0 التعليقات:
Post a Comment