لا قيمة لأى إنجاز اقتصادى فى مصر إذا كان على حساب كرامة المواطن وحق الإنسان المصرى فى الحرية والعدل، بمفهومها الواسع الشامل.
ولذلك سيظل الفرح بزيادة إنتاج القمح منقوصا والبهجة باستقبال الأسواق أول «تابلت» صنع فى مصر مجروحة، مادام واحد من أبناء الثورة المصرية هو أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 أبريل ملقى فى ظلام السجن مقبوضا عليه من مطار القاهرة كالمجرمين الخطرين.
إن مقتل الثورات فى أنها تقدم اعتبارات الأمن على شعائر الحرية وفروض الديمقراطية، وتنتحر الأمم حين تظن أن الطريق إلى رضا المواطن معدته دون احترام لفكره ووجدانه، وأن جوعه للطعام أكبر وأقوى من جوعه للكرامة والحرية.
وللمرة العشرين نقول إن ثورة يناير لم تكن من أجل رغيف الخبز بالأساس، بل كانت تنشد التغيير والحرية والديمقراطية منذ اليوم الأول، ويخطئ من يتصور أنه لا يزال من الممكن مقايضة المصرى على حريته مقابل رغيفه، فالمؤكد أن المصريين جديرون بالاثنين معا، وقد دفعوا ثمنهما كاملا من دمائهم ولحمهم الحى.
وبصرف النظر عن الأسباب والدوافع التى أدت إلى القبض على أحمد ماهر وحبسه بهذه السرعة فإن الموضوع برمته يحسب على نظام الرئيس محمد مرسى، ولن يفرق كثيرا هنا أن يكون أمر توقيفه وقرار حبسه صادرين عن محامٍ عام ارتبط اسمه بفلول النظام السابق وبدت قراراته مناقضة لتوجهات محمد مرسى ونظامه على طول الخط، أو عن نائب عام تتم محاربته منذ اليوم الأول لتعيينه ومتهم بأنه «نائب خاص النظام» ففى الحالتين نحن أمام مشاهد ينطق ظاهرها بأن شباب الثورة التى منحت محمد مرسى لقب «رئيس» بدلا من «سجين» يلقون جزاء سنمار ، ويلقى بهم من علياء الحفاوة والتقدير إلى حضيض الملاحقة الأمنية والمطاردة السياسية فى زمن الرئيس المنتخب بعد الثورة.
ولن أختلف مع من يذهب إلى أن الدكتور مرسى ربما فوجئ مثله مثل أى مصرى أصيب بالدهشة مع خبر اعتقال وحبس أحمد ماهر، وأصدق رفض حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان لمصادرة حرية واحد من المشاركين فى صناعة ثورة الحرية، كما لن أجادل كثيرا فى أن قرار النائب العام المستشار طلعت عبد الله بإخلاء سبيله كان أقل ما يجب للاعتذار للثورة وقيمها ومبادئها، ولن أخوض طويلا فى أن عملية اصطياد مؤسس 6 أبريل كانت تعبيرا عن رغبة شريرة فى استمرار اشتعال حرائق الصدام بين السلطة المنتخبة والثورة الناخبة لهذه السلطة.. كل ذلك معلوم ومفهوم لكنه لا ينفى المسئولية السياسية والأخلاقية لنظام الرئيس عن هكذا تحرشات بشباب الثورة، ذلك أن واجب نظام الحكم فى أية دولة ألا يسمح بنشوء سلطات موازية تتصرف وكأنها دويلات بذاتها وتمارس تسلطها على مصدر كل سلطة وهو الشعب، بشكل انتقائى، لا يجعل المواطنين سواء أمام القانون.
ومن حق الرأى العام على أهل السلطة فى مصر أن يعرف لماذا تم حبس أحمد ماهر ولماذا أخلى سبيله.. وإلى متى تظل تقلبات العدالة فى مصر أشبه بالتقلبات الجوية فى دولة لم تعرف علم الأرصاد بعد.
0 التعليقات:
Post a Comment