أهدانى معالى سفير ماليزيا فى القاهرة كتاباً عنوانه «A Doctor in the House» يحكى فيه بأسلوب بديع الدكتور مهاتير محمد حكايته، الكتاب كبير حوالى 800 صفحة، أنا قرأت منها حوالى 500 صفحة حتى الآن. الكتاب بالنسبة لى جيد، لأنه يروى تفاصيل عملية صنع السياسات التى ندرسها فى تخصص الاقتصاد السياسى للتنمية، وهو مفيد لأنه فى دولة مثل مصر، حيث الفتى بلا حدود، والكلام بلا قيود، والعلم أمامه سدود، يأتى لنا رجل خواجة من الخارج يحكى لنا كيف نقل بلاده من القاع إلى القمة.

المهم أن الاستماع للرجل لا يقل أهمية عن القراءة له، ولكن بعد ما تسمع له وتتخيل نفسك تأخذ ما يقوله لتنزل به لأرض الواقع المصرى ستجد نفسك من يسفهه ويسفه كلامه، إما لأنه خيال علمى، أو لأنه تحدث عن «النهضة» يبقى أكيد «إخوانى»، وطبعاً لو كان من وجّه الدعوة له جبهة الإنقاذ لخرج علينا من يصفه بأنه «علمانى».

المهم ماذا لو جلس مهاتير محمد مع صديقى محمد الميكانيكى؟

مهاتير محمد سيقول له: «BMW»، فمحمد الميكانيكى هيقول له: عارفها يا خواجة ده أنا لسّه عندى زبون ساكن فى الدور الثالث هنا عنده، حتى «بى، إم...» لسه جايبها بالقسط، دفع فيها....

وفجأة سيتوقفه «مهاتير» ليقول له: «بى» تعنى: business-friendly government، و«إم» تعنى man-based economy و«دبليو» تعنى willingness to win and lose.

«يعنى إيه يا باشمهندس مهاتير علشان مش فاهمك؟»، يقول صديقى الميكانيكى.

«عزيزى مستر محمد، الحكومة ليست وظيفتها أن تنتج أو أن تتاجر أو أن تزرع، هى وظيفتها أن تيسر عمليات الاستثمار والإنتاج والزراعة والتجارة. القطاع الخاص والمؤسسات غير الهادفة للربح ومؤسسات المجتمع المدنى هى الأكثر قدرة على تحقيق أهداف التنمية. ولهذا فإن التجربة الماليزية تجسد ما يسمونه الدولة الخاطبة (matchmaker) وفقاً لخطة طويلة المدى تضعها وتصنع الحوافز الاقتصادية ويكون الدور الأكبر للتنفيذ فى القطاع الخاص سواء المحلى أو الأجنبى. وضعت الدولة خططاً خمسية ثم رؤية طويلة المدى لمدة ثلاثين سنة تنتهى فى 2020».

لكن، عزيزى محمد الميكانيكى، أنت والبشر أهم مورد فى أى اقتصاد، لذا فنحن فى ماليزيا وضعنا خطة طويلة المدى لتطوير التعليم وربطه بسوق العمل، وعلى كل جامعة أو مدرسة أن تقدم تقريراً بعدد الخريجين الذين تخرجوا منها والفترة الزمنية التى استغرقوها كى يجدوا عملاً أو ليلتحقوا بأماكن دراسة وتدريب. نحن فى أول عدة سنوات من تجربتنا التنموية جعلنا الإنفاق على التعليم 25 بالمائة من الناتج القومى، ووضعنا سياسة لترشيد الإنجاب حتى نستطيع أن ننهض بأعباء البلاد الاقتصادية. وجعلنا من أهدافنا أن يكون كل مواطن ماليزى على نفس مستوى الكفاءة وأخلاقيات العمل الموجودة فى الدول الأكثر تقدماً منا مثل اليابان وكوريا الجنوبية. العامل الماليزى يبدأ عمله فى الصباح مبكراً ويكون بقاؤه فى العمل مرتبطاً بكفاءته وإنتاجه وليس بفكرة التثبيت. الأجور فى ماليزيا مرتبطة بالإنتاجية. اعمل أكثر، اجتهد أكثر، تحصل على مال أكثر.

أما فى السياسة، فنحن واجهنا معضلة من يريد أن يدخل الانتخابات ويفوز دائماً، وإن لم يفز يريد أن يقلب المنضدة على الجميع. المعارضة تلعب دوراً مهماً ولا بد أن يتاح لها حرية الرأى والتعبير، ولكن عليها أن تقبل النتيجة: فوزاً أو هزيمة. من حق المعارضة أن تستخدم كافة الأساليب القانونية لمحاسبة المسئولين حكومياً على كل أخطائهم وعلى قضايا الفساد أو سوء استغلال المنصب الحكومى من أجل تحقيق مصالح شخصية.

ماليزيا فعلت ما فعلها قبلها كثيرون، وإذا أردت، مستر محمد، لبلدكم أن يتقدم، فهذه خبرتنا وأعتقد أنكم تستطيعون أن تحققوا التقدم.

«إيه ده يا خواجة، الكلام اللى بتقولوا ده ينفع عندكم. إحنا عندنا مش فاضيين للكلام الفاضى اللى انت بتقولوا ده. انت بس لو تقدر تفوت لنا مليار دولار ولّا حاجة، الله لا يسيئك» قال صديقى محمد الميكانيكى.

الحقيقة أن «مهاتير» حقيقة، ومحمد الميكانيكى حقيقة. الفرق بينهما هو الموقف من الحياة: بين من مكنه الله فأحسن، ومن أعطاه الله فأساء.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -