الاناضول

ثمة ردود أفعال سريعة تمت بعد مظاهرات 30 يونيو / حزيران الماضي التى شهدتها مصر، والتي تم على إثرها عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، واسناد إدارة البلاد لرئيس المحكمة الدستورية، وتشكيل حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال.

ولم تكن ردود الأفعال الاقتصادية في اتجاه واحد تجاه مظاهرات 30 يونيو ، فبعضها أيد الأحداث وما ترتب عليها من نتائج، وأصدر هؤلاء ردود أفعال اقتصادية إيجابية تجاه مستقبل الاقتصاد المصري، بينما من رأوا أن ما حدث يعد انقلابا عسكريا، كانت ردود أفعالهم سلبية تجاه الأحداث التى اعقبها عزل الجيش الرئيس محمد مرسى من منصبه.

كانت الإعلانات عن مساعدات خارجية لمصر أبرز ردود الأفعال الاقتصادية الإيجابية على ما حدث فى 30 يونيو ، وتنوعت هذه المساعدات ما بين مادية وعينية ، وفى هذا الاطار اعلنت دول الخليج عن تقديم مساعدات لمصر بقيمة 12 مليار دولار، وجاءت الدعوة الروسية بضرورة تقديم مساعدات من القمح لمصر فى هذا الاتجاه ايضا، أما إسرائيل فأكدت على ضرورة أستمرار المعونة الأمريكية للنظام المصري، وهو ما أثار الكثير من الشكوك حول أحداث 30 يونيو ودور الخارج في تنفيذها.

أما تركيا الرافضة لما حدث في مصر حيث تصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري فقد صدرت دعوة من رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية ورئيس اتحاد الصناعات المصرية، بمراجعة اتفاقيات التجارة مع تركيا، واصفين موقف تركيا بالهجومي على الجيش والشعب المصري.

وفيما يلي نتناول التداعيات الاقتصادية الاقليمية، ومحاولة قراءتها في ضوء المشهد السياسي والاقتصادي الذي تمر به مصر، ومحاولة معرفة محددات الربط بين هذه التداعيات الاقتصادية والمواقف السياسية لكل من جانب التأييد والمعارضة للأحداث السياسية التي جرت في إطار ما عرف بـأحداث 30 يونيو.

أولًا: الدعم الخليجي
الدعم الخليجي لمصر عقب مظاهرات 30 يونيو كان الأسرع والأكبر على مستوى العالم، فنحو 12 مليار دولار وعدت بها ثلاثة دول خليجية ، هي السعودية والإمارات والكويت، وتضم هذه المساعدات 6 مليارات دولار كودائع بالبنك المركزي المصري، و3 مليارات منح لا ترد، و3 مليارات قروض في شكل مشتقات نفطية.

القراءات السياسية للدعم الخليجي أتى بعضها في ضوء عدم رضا الدول الخليجية على اتجاه الثورة المصرية لتثبيت حكم الرئيس مرسي، ومخاوف تلك الدول من انتقال الثورة إليها، كما يذهب البعض إلى أن الدول الخليجية ترى أنها مدينة للرئيس المخلوع مبارك في موقفه المساند لهم في أزمة الخليج الثانية، وبالتالي لم يكن الدعم الخليجي والسرعة التي تم بها إلا في ضوء مصالح تلك الدول التي ترى أن عودة النظام المصري إلى ما كان عليه قبل ثورة 25 يناير هو الأفضل بالنسبة لها.

ويعد الدعم الخليجي هذه المرة نقلة نوعية في مسيرة العون العربي، إذ أنه عادة ما كان يوصف بأنه دعم غير مشروط، ولكن هذه المرة يأتي الدعم الخليجي في ضوء مصالح سياسية لهذه الدول، حتى أن البعض يرى أن هذه المساعدات لن تأتي مرة واحدة ولكنها ستأتي على دفعات، بما يضمن للدول الخليجية ترسيخ أركان نظام حكم معين في مصر ترضى عنه.

ثانيًا: الدعوة الروسية
لم تحظ الزيارة التي قام بها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي لروسيا فى ابريل / نيسان الماضى بنتائج إيجابية على الجانب الاقتصادي، شأن غيرها من الزيارات التي قام بها لدول أخرى، وكان اختلاف وجهتي النظر المصرية والروسية تجاه الأزمة السورية، إبان تولي مرسي شئون الرئاسة المصرية السبب في ذلك.

وقد أزعج الجانب الروسي ما اتخذه مرسي من إجراءات تجاه سورية تمثلت في سحب السفير المصري من سورية، وإغلاق السفارة السورية بالقاهرة. وفي إطار ما يمكن وصفه بالرضا الروسي لما آلت إليه الأوضاع في مصر بعزل مرسي، أعلنت روسيا عن دعم مصر من خلال تقديم منح قمحية، من مختلف دول العالم لتغطية العجز المصري من هذه السلع الاستراتيجية.

وقال ايليا شيستاكوف نائب وزير الزراعة الروسي الاثنين الماضى إنه ينبغي لبلاده وهي من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم وغيرها من الدول مناقشة تقديم مساعدات انسانية من القمح لمصر.

ويرى البعض أن تصريحات شيستاكوف تشير لتحول في السياسة إذ أن روسيا رفضت طلبا من مرسي في ابريل / نيسان الماضى للمساعدة في تأمين امدادات من السلع الحيوية بشروط ميسرة خلال زيارة الرئيس المصري لموسكو.

والمعروف أن مصر تصنف على أنها المستورد الأول للقمح على مستوى العالم، كما كانت روسيا أحد الموردين الرئيسيين لمصر من القمح.

ويمكن قراءة الموقف الروسي كذلك من خلال ترسيخ مصالحها الاقتصادية فى المنطقة والاعتراض على التوجه المصري إبان تولي الرئيس مرسي من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لمصر خلال سنوات.

ثالثًا: إسرائيل والمعونة الأمريكية
ظلت المعونة الأمريكية لمصر على مدار السنوات الماضية محل أخذ ورد، واعتراض من شريحة كبيرة من المصريين بسبب التحيز الأمريكي ضد مصر في العديد من القضايا الاقليمية والداخلية ، وقد هدد مسئولون أمريكيون أكثر من مرة بقطع هذه المعونات عن مصر، إلا أن ما هو متعارف عليه في الشأن الأمريكي من صلاحيات الرئيس فى اتخاذ قرارات تتعلق بالأمن القومي الأمريكي كانت تبطل سعى هؤلاء المسؤولين ودعواتهم.

ومن غرائب ما حملته أحداث 30 يونيو في مصر، دعوة اسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية باستمرار المعونة الأمريكية لمصر، والتي تشمل نحو 1.2 مليار دولار كمعونة عسكرية. وحسب ما هو منشور فإن القوانين الامريكية تمنع تقديم معوناتها للدول التي تحدث فيها انقلابات عسكرية.

واللوبي اليهودي في الكونجرس وغيره من المؤسسات الأمريكية عادة ما كان يضغط من أجل وقف المعونة الأمريكية لمصر أو تقليلها أو إلغاء الجانب العسكري منها. فما الذي حدث لكي يتم هذا التغيير الكبير في الموقف الاسرائيلى، إلا إذا كانت تتأكد من أن ما ترتب على أحداث 30 يونيو بمصر يصب في صالحها بشكل كبير. وبخاصة فيما يتعلق بتدهور العلاقات المصرية مع حكومة إسماعيل هنية في قطاع غزة؟

رابعًا: مقاطعة تركيا
العلاقات الاقتصادية المصرية التركية تشهد تطورًا ملحوظًا على مدار السنوات الماضية، حتى قبل تولي محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية في يوليو 2012، حيث يقدر حجم التبادل التجار بين البلدين بنحو 5 مليارات دولار. وتطور العلاقات الاقتصادية لتركيا لمصر وغيرها من الدول العربية يأتي في إطار التوجه الاستراتيجي لتركيا بعدم تركيز علاقاتها الاقتصادية في جانب واحد فقط، وهو الجانب الأوروبي، وضرورة التوجه شرقًا وجنوبا سواء نحو الدول العربية أو قارة افريقيا.

كما قدمت تركيا مساعدات اقتصادية للحكومة المصرية خلال تولي مرسي للرئاسة تمثل في مليار دولار كوديعة بالبنك المركزي المصرى، ومليار دولار آخر في شكل تمويل صادرات تركيا لمصر و 250 مليون دولار مساعدات عسكرية.

إلا أن موقف تركيا الرافض لما حدث في مصر ووصفه له بأنه انقلاب عسكري، دعا العديد من المؤسسات الاقتصادية التي تمثل رجال الأعمال مثل اتحاد الصناعات المصرية، واتحاد الغرف التجارية المصرية، إلى ضرورة وقف الاتفاقيات التجارية من قبل الحكومة الجديدة بمصر والتي يتولها د. حازم الببلاوي.

والجدير بالذكر أن مؤسستي اتحاد الصناعات واتحاد الغرف، لم ينالهما أي تغيير بعد ثورة 25 يناير، حيث بقت مجالس إدارتهما على الصورة التي كانت موجود به منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

إلا أن اللافت للنظر أن جزءًا كبيرًا من العلاقات الاقتصادية لتركيا في مصر يتمثل في استثمارات مباشرة، وهي ميزة نوعية لم تتوفر في العديد من العلاقات الاقتصادية لدول أخرى مع مصر.

وبالتالي فإن أية إجراءات من شأنها أن تمس هذه الاستثمارات، سوف تؤدي إلى تسريح عمال وافتقاد مصر لمنتجات وسلع في سوقها المحلي أو المساهمة في الصادرات المصرية.

إعادة نظر
المتعارف عليه أن العلاقات الاقتصادية بين الدول تقام على تعظيم المصالح، وفي ضوء هذا المبدأ على مصر أن تعيد النظر في علاقاتها الاقتصادية الخارجية. فهل من مصلحة مصر أن تظل رهن المساعدات العربية أو غيرها؟ أم أن من مصلحتها أن يكون لديها علاقات اقتصادية مبنية على وجود استثمارات مباشرة تزيد من ناتجها المحلي، وتحسن من قاعدتها الإنتاجية، أم تلك الاستثمارات بالبورصة عبر الأموال الساخنة؟.

ومن جانب أخر، فإن المساعدات لا تقدم بلا ثمن، فكل من قدم مساعدة لمصر في تلك الفترة أو غيرها من فترات سابقة أو حتى لاحقة، فإن له مصلحة يسعى لتحقيقها، ولابد من إحداث موازنة لدى صناع سياسة العلاقات الخارجية الاقتصادية لمصر للـتأكد مما يتحقق من هذه المساعدات من إيجابيات وسلبيات.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -