قاسية مثل هذه الأيام التى تمضى متناثرة بين مشاعر وهواجس وأفكار متناقضة، حزن وضعف وسكون أمامهم أمل ورجاء ولهفة انتظار بهجة محددة الموعد.

أمضيت الكثير من سنوات العمر بعيدا عنها، هى التى حملتنى صغيرا وأوقفت حياتها على ابنتها وولديها حبا وكرما وتجاوزا لصدمة الرحيل المبكر للزوج وللأب. تصادمنا مرارا، الأم صاحبة الرؤية محددة المعالم لما ينبغى أن تكون عليه حياة ولدها والابن الباحث عن الحق فى الاختيار الحر وحياة بلا قيود.

غضبت وحزنت وبكت، إلا أنها أبدا لم ترفض الاستماع إلى والتعرف على مشاعرى وأفكارى. حزنت وبكيت، إلا أننى تكلمت وكتبت وفصلت وقرأت الشعر وترجمت بعضه من الألمانية والإنجليزية إلى العربية وناقشت فى مراسلات طويلة قيم الحرية والحق والحب وفلسفة الجمال.

وحين عدت من سنوات الدراسة والعمل فى الخارج، محملا بحصاد تجربة إنسانية أهدتنى أجمل ولدين فى الدنيا وتجربة مهنية تبحث عن الاستمرار، لم أجد إلا لديها هى الموطن الحنون لاضطراب المشاعر وكثرة تقلبات الأيام.

أمى هى محطة عشقى الأولى، وجهة حوارى الأولى، المتلقية الأولى لمسوغات وجودى كإنسان.

اليوم يهز الحزن والضعف كيانى، وأمى تمر بمحنة تختبر إيمانها وصبرها وحبها للحياة. اليوم يحيط بى السكون من كل جانب، وأنا أجتهد لكى تثق أمى فى قدرتها على تجاوز المحنة برحمة ولطف الله ولكى ترى بوضوح الأمل فى إقناع جسد يتمرد قليلا بأن يهدأ.

اليوم ألقى نفسى عازفة عن عموم الأشياء التى دوما ما صنعت يومى، إلا الكتابة التى بها تبتعد عن الانصراف عن الشأن العام ومن خلالها تواصل إعمال العقل فى هموم الوطن. اليوم أعيد اكتشاف دنيا المشاعر والهواجس والأفكار من مواقع لم أمر عليها من قبل. أقف حائرا أمام لحظة بهجة قادمة ومحددة الموعد سلفا، فلا أعلم إن كان يحق لى الفرح بميلاد جديد لشريان الحياة الذى يربطنى بسيدة قلبى أم أن على الانتظار فى سكون.

اليوم أناجيك يا أمى، يا محطة عشقى الأولى وموطنى الحنون، أن تثقى فى قدرتك على تجاوز المحنة واستعادة بريق العينين وتفاؤل الصوت وبدايات النهار الجميلة. وحول هذا أمل ورجاء، ودونه حياة مؤجلة وانتظار فى سكون.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -