حادث القديسين - ارشيفية
كان صيدليا يدرك جيدا معني أن الطب رسالة وليست تجارة، وهو ما كان يدفعه لإعطاء الفقراء الأدوية دون مقابل، إنه د. “صبري فوزي” الذي كان واحدا من ضحايا تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية مستهل عام 2011.
زوجته “دميانة” وابنه “كرولوس” رويا قصته لـ”البديل” خلال هذا الحوار.
- هل كانت كنيسة “القديسين” المخصصة لصلاتكم كل عام؟
تربيت في الكنيسة منذ نشأتي، حتى أولادي، القديسين كانت كنيستنا التي نقضي فيها كل المناسبات سواء أعياد أو صلوات أو ليلة رأس السنة، وذهبت انا وابني كرولوس وشيري للكنيسة في تمام العاشرة والنصف، ثم جاء زوجي في 11مساء واضطر أن يصلي في القاعة السفلى للكنيسة، وآخر مكالمة قامت بها ابنتي شيري لوالدها لتسأله عن موعد مجيئه للكنيسة وكيفية مقابلتنا به، وكان ذلك في تمام التاسعة والنصف مساء، ولكن بعد الانفجار لم تكن هناك أي شبكة للتواصل معه.
- ما الذي حدث في تلك الساعات بالكنيسة حتى وقع الانفجار؟
رد كرولوس، كنا موجودين في القاعة العليا للكنيسة وكانت الصلوات مستمرة، ولكن في 12 وربع هز الانفجار الكنيسة وحطم كل النوافذ الزجاجية، وكل ما فعلته البحث عن أمي وأختي، ولكن للسف والدي كان بالأسفل ينتظرنا كل عام بجوار الشجرة الموجودة أمام الكنيسة ليتمكن من رؤيتنا في الزحام، وكانت بمثابة نقطة التقاء بعد الانتهاء من الصلاة نتجمع بها، ومن ثم تعرض للإصابة لأن الانفجار وقع بجوار الشجرة.
- كيف علمتي بخبر الوفاة؟
لم أتمكن من التواصل معه بعد الحادث لانقطاع الشبكة، وأقنعوني وقتها بالعودة للمنزل في محاولة لتهدئتي واستكمال بحثهم عنه، ولكن علمت بعد ذلك انه عرضى علي مستشفي “مار مرقس” ولم تكن إصابته خارجية، فاعتقدوا انه سليم، وفي الثانية صباحا حول للمستشفى الأميري بعد أن حصل له نزيف داخلي في المخ، ودخل في غيبوبة تامة لمدة ثلاث أيام حتى الوفاة.
- من هو صبري فوزي وكيف كانت حياته؟
صمتت برهة ثم قالت “بابانا كان إنسانا جميلا جدا مع أولاده وجيرانه ومرضاه في الصيدلية، فكان محبوبا من الجميع، حتى إن جيرانه بجوار الصيدلية أغلبهم مسلمين، وكانت تجمعهم صداقة كبيرة، ودائما يقولون إحنا بننزل الصيدلية عشان نقعد مع الدكتور ونتكلم معاه مش عشان العلاج”، وكان معطاء بطريقة تفوق الوصف، وكثيرا ما كان يعطي المرضى المحتاجين أدويتهم دون مقابل، أما جيراننا في الشارع فكان حزنهم شديد بعد الحادث علي الشهيد، وكانوا يقولون إنه ملاك يعيش وسطنا في هدوء.
- وكيف كانت علاقته بأسرته؟
كان يريد عمل أي شيء لراحتنا، وكان حنونا يتصل بين الحين والآخر من الصيدلية للاطمئنان.
- ما هي تفاصيل الأيام الأخيرة قبل وفاته؟
من الصدف العجيبة أن هذا العام كان لأول مرة ينهي “صبري” موضوع شراء ملابس العيد للأولاد مبكرا فقد نزل مع شيري قبلها بفترة لشراء ما تريد، بل جدد بعض من حليها الذهبية، واستكمل كرولوس قائلا “كانت أول مرة أنزل مع والدي قبل العيد بأسبوعين لشراء الملابس، وشارك في اختيارها معي، حتى إنني اخترت له قميص وبنطلون، وكانت الأجواء كلها قبل العيد مبهجة واحتفالية، كحال أي أسرة تستقبل عاما جديدا”.
- في رأيك ما هو السبب وراء الحادث؟
برغم أنها لم تكن المرة الأولى في الاعتداء على الكنيسة، إلا أن الحادث كان مؤلما وجديدا، وأتساءل كثيرا أي إنسانية تسمح لشخص بالقيام بهذا العمل الإرهابي والإجرامي، لا اعتقد أن لديه أولادا لأنه كان من المؤكد سيشعر بمعنى “أولاد يتيتموا”، فهو شخص بلا رحمة.
- ما رأيك في الاتهامات الموجهة للداخلية وتورطها في الحادث؟
في الحقيقة لا استطيع الجزم بأن الداخلية متورطة، ولكن هذا لا يمنع علمهم بأن الحادث من الممكن وقوعه، من قبل هذه العناصر الإرهابية الأجنبية، فهو حادث مدبر، والدليل على علم الشرطة أن أفراد الأمن رحلوا قبل الحادث بنصف ساعة، وتركوا الكنيسة بلا تأمين، فضلا عن وصول إنذارات كثيرة للكنيسة تهدد بضربها قبل حادث رأس السنة، ولم يتخذ مع ذلك التأمين المطلوب، حتى أن قبل الحادث بفترة كانت مدارس الأحد تنهي دروسها مبكرا، كما ألغيت الاجتماعات.
- وماذا عن تطورات التحقيقات الأخيرة؟
ولا أي حاجة وصلنا لها، ولم تتخذ أية إجراءات جادة حتى الآن، لا نعلم ما السبب وراء ذلك، برغم أن هناك جرائم أقل خطورة ولم تكن نتائجها مفجعة كحادث الكنيسة ويتم التحقيق فيها على الفور، ومحامي أسر الشهداء أكد لنا أن ملف القضية لا يرقى لمستوي محضر سرقة، يتسم بالهزلية والضعف.
- ماذا عن تعويضات الدولة والمعاش؟
بصعوبة سمحوا لنا بصرف المعاش ولكنه استثنائيا ليس دائما، فالدولة لا تعترف بضحايا الكنيسة على أنهم شهداء من الأساس .
- هل تم مقابلة أسر الشهداء بعد الثورة؟
لم يحدث ذلك، وكانت هناك زيارة وحيدة لمحافظ الإسكندرية بعد الحادث مباشرة لعدد من الأسر، ولكن لم يتم دعوتنا كشهداء ثورة يناير سواء في عهد مرسي أو بعد 30 يونيو.
- هل تعتقدي ثمة تعمد لإهمال القضية والتعتيم عليها؟
لم يعد هذا الأمر غريبا، فنحن تعودنا كأقباط على إهمال قضايانا وعدم التحقيق فيها بجدية، ولكن نثق أن حقنا في السماء موجود حتى لو غاب على الأرض.
- ما الفرق بين ضرب “القديسين” والاعتداء علي الأديرة والكنائس بعد 30 يونيو؟
لم يقل حرق الكنائس والأديرة بشاعة عن ضرب كنيسة القديسين، فكليهما عمل تخريبي، ولكن لا نعلم لماذا يدفع الأقباط الثمن كل مرة.
وأضاف كرولوس أن الدولة لا تتدخل بشكل رادع لوقف الاعتداءات على الكنائس، فالمداخلات التليفزيونية عند نقل الأحداث من أمام أي كنيسة تعرضت للاعتداء كانت تؤكد دائما أن الحرق والهدم يتم على مسمع ومرأى من الشرطة، ولكنها تقف بشكل سلبي ولا تتدخل، وخطورة مثل هذه الأعمال الإجرامية لا تخص الأقباط فقط ولكن تهدم دولة القانون بشكل عام.
- هل تعتقدي أن الحل الأمني كاف لمواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة؟
المسألة تحتاج لتضافر كل الجهود الأمنية مع التعليمية والإعلامية، فإذا تم تنشئة الأطفال بالمدارس على المحبة والتسامح، وان المواطنين سواء أمام القانون، وحرية العقيدة هي الأساس سيتم القضاء على تلك الأفكار.
البديل
كان صيدليا يدرك جيدا معني أن الطب رسالة وليست تجارة، وهو ما كان يدفعه لإعطاء الفقراء الأدوية دون مقابل، إنه د. “صبري فوزي” الذي كان واحدا من ضحايا تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية مستهل عام 2011.
زوجته “دميانة” وابنه “كرولوس” رويا قصته لـ”البديل” خلال هذا الحوار.
- هل كانت كنيسة “القديسين” المخصصة لصلاتكم كل عام؟
تربيت في الكنيسة منذ نشأتي، حتى أولادي، القديسين كانت كنيستنا التي نقضي فيها كل المناسبات سواء أعياد أو صلوات أو ليلة رأس السنة، وذهبت انا وابني كرولوس وشيري للكنيسة في تمام العاشرة والنصف، ثم جاء زوجي في 11مساء واضطر أن يصلي في القاعة السفلى للكنيسة، وآخر مكالمة قامت بها ابنتي شيري لوالدها لتسأله عن موعد مجيئه للكنيسة وكيفية مقابلتنا به، وكان ذلك في تمام التاسعة والنصف مساء، ولكن بعد الانفجار لم تكن هناك أي شبكة للتواصل معه.
- ما الذي حدث في تلك الساعات بالكنيسة حتى وقع الانفجار؟
رد كرولوس، كنا موجودين في القاعة العليا للكنيسة وكانت الصلوات مستمرة، ولكن في 12 وربع هز الانفجار الكنيسة وحطم كل النوافذ الزجاجية، وكل ما فعلته البحث عن أمي وأختي، ولكن للسف والدي كان بالأسفل ينتظرنا كل عام بجوار الشجرة الموجودة أمام الكنيسة ليتمكن من رؤيتنا في الزحام، وكانت بمثابة نقطة التقاء بعد الانتهاء من الصلاة نتجمع بها، ومن ثم تعرض للإصابة لأن الانفجار وقع بجوار الشجرة.
- كيف علمتي بخبر الوفاة؟
لم أتمكن من التواصل معه بعد الحادث لانقطاع الشبكة، وأقنعوني وقتها بالعودة للمنزل في محاولة لتهدئتي واستكمال بحثهم عنه، ولكن علمت بعد ذلك انه عرضى علي مستشفي “مار مرقس” ولم تكن إصابته خارجية، فاعتقدوا انه سليم، وفي الثانية صباحا حول للمستشفى الأميري بعد أن حصل له نزيف داخلي في المخ، ودخل في غيبوبة تامة لمدة ثلاث أيام حتى الوفاة.
- من هو صبري فوزي وكيف كانت حياته؟
صمتت برهة ثم قالت “بابانا كان إنسانا جميلا جدا مع أولاده وجيرانه ومرضاه في الصيدلية، فكان محبوبا من الجميع، حتى إن جيرانه بجوار الصيدلية أغلبهم مسلمين، وكانت تجمعهم صداقة كبيرة، ودائما يقولون إحنا بننزل الصيدلية عشان نقعد مع الدكتور ونتكلم معاه مش عشان العلاج”، وكان معطاء بطريقة تفوق الوصف، وكثيرا ما كان يعطي المرضى المحتاجين أدويتهم دون مقابل، أما جيراننا في الشارع فكان حزنهم شديد بعد الحادث علي الشهيد، وكانوا يقولون إنه ملاك يعيش وسطنا في هدوء.
- وكيف كانت علاقته بأسرته؟
كان يريد عمل أي شيء لراحتنا، وكان حنونا يتصل بين الحين والآخر من الصيدلية للاطمئنان.
- ما هي تفاصيل الأيام الأخيرة قبل وفاته؟
من الصدف العجيبة أن هذا العام كان لأول مرة ينهي “صبري” موضوع شراء ملابس العيد للأولاد مبكرا فقد نزل مع شيري قبلها بفترة لشراء ما تريد، بل جدد بعض من حليها الذهبية، واستكمل كرولوس قائلا “كانت أول مرة أنزل مع والدي قبل العيد بأسبوعين لشراء الملابس، وشارك في اختيارها معي، حتى إنني اخترت له قميص وبنطلون، وكانت الأجواء كلها قبل العيد مبهجة واحتفالية، كحال أي أسرة تستقبل عاما جديدا”.
- في رأيك ما هو السبب وراء الحادث؟
برغم أنها لم تكن المرة الأولى في الاعتداء على الكنيسة، إلا أن الحادث كان مؤلما وجديدا، وأتساءل كثيرا أي إنسانية تسمح لشخص بالقيام بهذا العمل الإرهابي والإجرامي، لا اعتقد أن لديه أولادا لأنه كان من المؤكد سيشعر بمعنى “أولاد يتيتموا”، فهو شخص بلا رحمة.
- ما رأيك في الاتهامات الموجهة للداخلية وتورطها في الحادث؟
في الحقيقة لا استطيع الجزم بأن الداخلية متورطة، ولكن هذا لا يمنع علمهم بأن الحادث من الممكن وقوعه، من قبل هذه العناصر الإرهابية الأجنبية، فهو حادث مدبر، والدليل على علم الشرطة أن أفراد الأمن رحلوا قبل الحادث بنصف ساعة، وتركوا الكنيسة بلا تأمين، فضلا عن وصول إنذارات كثيرة للكنيسة تهدد بضربها قبل حادث رأس السنة، ولم يتخذ مع ذلك التأمين المطلوب، حتى أن قبل الحادث بفترة كانت مدارس الأحد تنهي دروسها مبكرا، كما ألغيت الاجتماعات.
- وماذا عن تطورات التحقيقات الأخيرة؟
ولا أي حاجة وصلنا لها، ولم تتخذ أية إجراءات جادة حتى الآن، لا نعلم ما السبب وراء ذلك، برغم أن هناك جرائم أقل خطورة ولم تكن نتائجها مفجعة كحادث الكنيسة ويتم التحقيق فيها على الفور، ومحامي أسر الشهداء أكد لنا أن ملف القضية لا يرقى لمستوي محضر سرقة، يتسم بالهزلية والضعف.
- ماذا عن تعويضات الدولة والمعاش؟
بصعوبة سمحوا لنا بصرف المعاش ولكنه استثنائيا ليس دائما، فالدولة لا تعترف بضحايا الكنيسة على أنهم شهداء من الأساس .
- هل تم مقابلة أسر الشهداء بعد الثورة؟
لم يحدث ذلك، وكانت هناك زيارة وحيدة لمحافظ الإسكندرية بعد الحادث مباشرة لعدد من الأسر، ولكن لم يتم دعوتنا كشهداء ثورة يناير سواء في عهد مرسي أو بعد 30 يونيو.
- هل تعتقدي ثمة تعمد لإهمال القضية والتعتيم عليها؟
لم يعد هذا الأمر غريبا، فنحن تعودنا كأقباط على إهمال قضايانا وعدم التحقيق فيها بجدية، ولكن نثق أن حقنا في السماء موجود حتى لو غاب على الأرض.
- ما الفرق بين ضرب “القديسين” والاعتداء علي الأديرة والكنائس بعد 30 يونيو؟
لم يقل حرق الكنائس والأديرة بشاعة عن ضرب كنيسة القديسين، فكليهما عمل تخريبي، ولكن لا نعلم لماذا يدفع الأقباط الثمن كل مرة.
وأضاف كرولوس أن الدولة لا تتدخل بشكل رادع لوقف الاعتداءات على الكنائس، فالمداخلات التليفزيونية عند نقل الأحداث من أمام أي كنيسة تعرضت للاعتداء كانت تؤكد دائما أن الحرق والهدم يتم على مسمع ومرأى من الشرطة، ولكنها تقف بشكل سلبي ولا تتدخل، وخطورة مثل هذه الأعمال الإجرامية لا تخص الأقباط فقط ولكن تهدم دولة القانون بشكل عام.
- هل تعتقدي أن الحل الأمني كاف لمواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة؟
المسألة تحتاج لتضافر كل الجهود الأمنية مع التعليمية والإعلامية، فإذا تم تنشئة الأطفال بالمدارس على المحبة والتسامح، وان المواطنين سواء أمام القانون، وحرية العقيدة هي الأساس سيتم القضاء على تلك الأفكار.
البديل
0 التعليقات:
Post a Comment