ـ يشغل تساؤل المستقبل اليوم عقول كثيرين من المهتمين بالشأن السياسي العربي والإسلامي ويظل السؤال الأهم والأبرز هو مستقبل ما اصطلح عليه بالإسلام السياسي ، و تأثيرات إنقلاب 3 يوليو على توجهاته ومستقبله ، وتأثيرات كل ذلك على مستقبل العملية السياسية ليس في مصر فحسب وإنما في المنطقة بأسرها ، ويظل هذا السؤال الأهم والأبرز حيث أن الإجابة عليه تحدد مسار كامل المنطقة خلال الفترة المقبلة .
يختلف المحللون في أهمية موقع ما حدث في مصر وأثره على كامل المسار الإقليمي فيقلل البعض من أثر التجربة المصريـة على تجارب النضال السياسي في الإقليم ويتحدثون عن نجاحات يرونها في تجربة كتونس مثلا واليمن وإن كان -في نظري- أنه من المبكر الحكم على تلك المحاولات بالنجاح ، إلا أن الثابت والحقيقي أن تجارب النضال العربية كلها لا أقول "فشلت" فالفشل هنا مرتبط بتوهم نجاح الثورات العربية نظريا في تحقيق أهدافها من خال أيام من الاعتصام أو التظاهر ، ولكن الحقيقي أن ثورات الربيع العربي بدأت ولم تضع رحالها بعد ، ودخلت بعد الانقلاب المصري و الصراع السوري مستوى جديد من كشف حجم التواطؤ ليس الداخلي والمحلي وإنما الإقليمي و العربي وبالتالي لايمكن الحكم على تجربة كمصر بالفشل بقدر كونها دخلت مستوى صراع أكبر و "حتمي" وكاشف لطبيعة الموقف المحلي والإقليمي ، و عليه نقول إن مستقبل الإسلام السياسي لم يحسم بعد كما يظن بعض الحالمين لأن الصراع ذاته لم يحسم أصلا .
وبما أن مصر كدولة مركزية في المنطقة وبما أن إسلامييها أيضا لهم موقع مركزي جدا في التأثير على الحالة الاسلامية العربية بخاصة مازالت تمارس دورا رئيسيا في التأثير المباشر وغير المباشر على خيارات الإسلاميين في المنطقة ، بل وفي صراعات الإسلاميين الداخلية ، وبالتالي يظل الإسلاميون والإسلام السياسي الطرف الأصيل في عملية الصراع الدائرة و تظل الأنظمة العتيقة وجيوشها ونخبها طرفا آخر وتظل الشعوب تغرد حسب سيطرة كل طرف على محددات الرأي العام والخطاب في مناطق الصراع .
غابت صراعات أساسية في الحالة الإسلامية المصرية وبالأخص في الحالة الحركية داخل حركة الإخوان مثلا فلم تعد أطروحات "الإصلاحيين" تلقى رواجا بعد الآن فالقضايا موضوع الخلاف أصبحت غير ذات معنى ربما لانهيار التنظيم نسبيا أو لحالة المجابهة والصراع ، و هناك سبب رئيسي أيضا وهو موقف إصلاحيين كأبو الفتوح من الأحداث الذي أدى في النهاية لنفور كبير من أطروحاته على صعيد التنظيم والحركة الإسلامية حتى وإن كانت غير ذات صلة بموضوع الصراع الحالي ، كما أن بيئة القمع والتدافع جعلت توجه التنظيم وشبابه وهم من يسيطرون على حركة التنظيم في الشارع أصبحوا
أكثر لجوئهم لكتابات سيد قطب و الكتابات التي تمتلك قدرة نفسية كبيرة لاحتواء مفاهيم الصراع وتبريرها ، وهذه الانعكاسات تنقلب أيضا على الحالة الإسلامية العربية ، فبعد جهود كبرى بذلها مفكرون إسلاميون وحركات إسلامية عربية للتملص من أطروحات سيد قطب و جعلها بنت وقتها و بعد أن استهلك الإسلاميون وقتا طويلا في التنظير للديمقراطية والحريات والتعايش أتى الصراع الدائر في مصر على كثير من الأطروحات ليفرض نفسه ويشكل عودة كبيرة جدا لتنظيرات المواجهة والمجابهة.
كذلك أصبحت أطروحات الجهاديين وصراعاتهم واختلافاتهم في سوريا والعراق وليبيا تلقى اهتماما كبيرا داخل الوسط الشبابي الإسلامي ، فشباب الإسلاميين اليوم منشغل بمناقشة مسألة داعش والجبهة الإسلامية والنصرة ، ويحلل خطابات للجولاني ويتابع تسجيلات الظواهري الأخيرة ، مما يدفع للسطح ظاهرة تتشكل حديثا تعقب الإنقلاب الأخير و أضعفت كثيرا من القدرة النظرية لأطروحات الإندماج السياسي والمشاركة الديمقراطية لصالح أفكار أكثر حدية و قطيعة مع عمليات الانتخاب والمشاركة في الدولة الحديثة ، وهذا تحول هاه في مسار الإسلام السياسي .، حيث أن بنيته الشبابية لم تعد تمتلك موقفا متسامحا مع العمليات الديمقراطية بل أصبح الموقف أكثر خصومة وتباعدا بعد حجم الدم الذي سال ، وإن كان بداية الموقف هو عدم ثقة في عمليات ديمقراطية قبل احداث ثورات جذرية في الجسد السياسي للدولة تزيح قطاعات كبيرة من الفساد .. إلا أن الموقف بدأ يتطور لدى البعض لمواقف رفض للديمقراطية أيا كانت ظروف التطبيق خصوصا مع رواج الأطروحات الجهادية واشتعال صراعات على هذا الأساس بسويا والعراق
الحالة الإسلامية لم تكن يوما ما حالة محصورة في حدود سايكس بيكو فهي متجاوزة لها منذ النشأة وإن تأثرت بهذه التقسيمات مؤخرا حيث تولدت تجارب إسلامية محلية إلا ان حالة الثورات العربية وملف سوريا ومصر أعاد إلى الواجهة الهم المشترك والفكر المشترك والمصير المشترك لهذه الحركات حيث أن الحرب على وجودهم أصبحت أيضا متجاوزة للحدود وتوجد حالة تعاون إقليمي واضحة ملموسة ضدهم ، وبالتالي سنشهد ضمورا مستقبليا لأطروحات الاندماجية السياسية واجتهادات المشاركة الحزبية وستظهر تباعا تنظيرات للصراع أو حتى التقوقع والانعزال لكن فرص وجود "إسلام سياسي" كالذي بحثت عنه مؤسسة راند أو دعمته توجهات غربية لتدجين الإسلامين أصبحت معدومة أو ضئيلة في أفضل الأحوال .
0 التعليقات:
Post a Comment