في حادثةٍ فريدةٍ، انتقد رئيس مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، بول لولو بولس، ترشح وزير الدفاع المستقيل، عبد الفتاح السيسي، للرئاسة المصرية، وقال إنه ترشحٌ مرفوض، لأن السيسي كان يقود الجيش عند عزل الرئيس محمد مرسي. وأضاف أن الذين يقومون بالتغييرات غير الدستورية للحكم يجب عدم مكافأتهم، عن طريق العودة إلى نظام دستوري، والاتحاد الأفريقي يواجه معضلة كبيرة، بسبب هذا الترشح. وختم تصريحاته بالقول إن الشرعية العملية لن تكون مستوفية معايير الاتحاد الأفريقي، حتى بعد إجراء انتخابات الرئاسة المصرية، ورأى أن "الانتخابات لن تضفي شرعية على الانقلاب".
وينتظر الاتحاد الأفريقي تقرير لجنة حكماء أفريقيا، والتي زارت القاهرة أخيراً، ليتخذ قراراً بشأن عضوية مصر المجمدة، بسبب انقلاب الثالث من يوليو/تموز الماضي، ومجلس السلم والأمن الإفريقي هو الجهة المنوط بها تجميد عضوية أية دولة تشهد انقلاباً عسكرياً.
وتحمل هذه التصريحات أمرين خطيرين؛ يتعلق الأول بتوصيةٍ شبه نهائيةٍ لعدم إرسال الاتحاد الافريقي أياً من مراقبيه، لمتابعة الانتخابات الرئاسية في مصر. ويتعلق الثاني بمقدمات هذا الموقف، حينما يؤكد أنه لا يمكن لهذا الاتحاد أن يكافئ الانقلاب، وأن يمنحه غطاءً دستورياً في شكل انتخابات رئاسية خاصة، حينما يكون من قام بالانقلاب على رئيس مدني منتخب الشخص ذاته الذي يترشح في الانتخابات الرئاسية.
تستدعي توضيحات بول لولو بولس، ومن كل طريق، ذلك الاستفتاء على وثيقة الدم، والتي أسميت الدستور، مما يعني أنه لا بد من كشف عملية الشرعنة وزيفها، والبداية لعملٍ غير شرعي، لا يمكن إضفاء شرعنة عليه بآليات ديمقراطية. هذه هي القضية الكبرى التي تؤكد أن هذه الرؤية أكثر عمقاً من تلك الرؤية الغربية، ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حينما يتقصّيان أثر المصالح التي تتعلق بدولهم، متناسين المبادئ والقيم الديمقراطية التي يجب أن تُؤسس وتسود. لا شك في أن تلك الوثيقة الدستورية، بما لوحظ من طريقة صياغتها وبنائها، ومسالك الاستبعاد والنفي لقوى سياسية أساسية، وعمليات استفتاء زورت قبل أن نصل إلى مرحلة التصويت في الصناديق، لتعبر بذلك عن إطار يزور على الحقيقة، ويشرعن لاغتصابٍ بوثيقةٍ حاول الانقلابيون أن يضفوا شرعية من خلال سلطة أمر واقع على حالة انقلابية. ... قاطعوا إنها المهزلة.
في هذا المقام، علينا أن نتوقف عند تلك الانتخابات الرئاسية وذلك الدستور من أن يُسمى هذا وذاك استحقاقاً، فإنه، في حقيقة الأمر، لا يعد استحقاقاً، وإنما اغتصاب لسلطة منتخبة، وانقلاب حقيقي على سلطة شرعية، اغتصاب انقلابي، يحاول هؤلاء أن يجعلوا منه غطاءً لعمل غير شرعي، في إطار عملية شرعنة، وضمن هذه الأسطورة التي تدّعي الاستحقاق الانتخابي، يجب أن نبحث في مجموعة أساطير أخرى، ترتبط في الإعلان لهذه الانتخابات، في سياق ما أسماه بعضهم قبول ترشيح المشير السيسي، باعتباره "مرشح الضرورة". ولا نعلم أية ضرورة تلك، سوى أن نشير إلى تلك القوة الانقلابية الغاشمة، حينما تحاول أن تشرعن مساراً انقلابياً، وتؤكد أن من قام بالانقلاب هو، في الوقت نفسه، من أسموه "مرشح الضرورة"، وهي حالة من التغلب، تقوم على قاعدة "القوة التي تخلق الحق وتشرعنه"... قاطعوا.... إنها المهزلة.
وللأسف، تسير هذه الأسطورة في إطار الضرورة نفسه، حينما تتحدث عن خصمه من التيار الشعبي، بأنه مرشح يقوم بدور "السنيد" أو "الكومبارس"، في مسرحية هزلية، فيعد هو الآخر رمزاً لمرشح ضرورة، ولكن، من نوع آخر، يمكن تسميته "مرشح رغم أنفه"، حتى يضفي شرعنة مصطنعة على انتخاباتٍ، هي أقرب ما تكون إلى شكل الاستفتاء، منها إلى انتخابات تعددية حقيقية. وإن مقارنةً سريعةً تعود بنا إلى انتخابات رئاسية في عام 2012 لتؤكد كيف هي الانتخابات الديمقراطية، وكيف هي الانتخابات المشرعنة المفصلة لشخصٍ بعينه، في إطار عملياتٍ كبرى، تسير ضمن عمليات تزويرٍ، قبل الوصول إلى صندوق الانتخابات، وهي، في حقيقة الأمر، تشكل نكسةً لمسار ديمقراطي، لا تقل عن نكسة يونيو/حزيران 1967، والتي أثرت على مستقبل مصر وربما أن مؤشرا خطيرا يتعلق بإعلان نتيجة المرحلة الأولى من دون مرحلة ثانية وبانتخابات المرحلة الواحدة والتي ستعلن نتيجتها في الخامس من يونيو/حزيران الذي يصادف ذكرى النكسة، نكسة أخرى، إنها نكسة الديمقراطية والثورة. ... قاطعوا إنها المهزلة.
وللأسف الشديد، قامت بذلك في شكل بيان من المجلس العسكري، وبدا الأمر في حالة هزلية كاملة، ولا يستحي سحرة الإعلام الجدد أن يشيروا إلى انتخاباتٍ على الطريقة الأميركية، فقط لأنها ستكون بين شخصين، وهذا، لعمري، استخفاف واستهزاء بكل الأصول المرعية في إطار صنوف الانتخابات، وتصنيفات النظم السياسية، إلا أنَّ هؤلاء وكأنهم وجدوا ضالتهم في ترويج هذه الأسطورة وهو ترويج يدلُّ ليس فقط على الخفّة، ولكن، يدلُّ، أكثر من ذلك، على غباءٍ شديدٍ، في عمل المشابهات والمقايسات، وبإرادةٍ من هؤلاء أن يمرّروا صورة مرشح الضرورة، والمرشح رغم أنفه، في انتخاباتٍ أجبروا على أن يقفل باب ترشيحها على هذين الاثنين، ليمكن التحكم فيها وفي نتائجها. ... قاطعوا إنها المهزلة.
الأسطورة الأخرى التي تتولد عن الأساطير السابقة أن هذه الانتخابات بين مرشحيْن، على قدم المساواة وتنافس حقيقي، يبدو لكل ذي عينين أنها ليست إلا تمثيلية هزلية، يقوم فيها أحد المرشحين، "المرشح رغم أنفه" بالشكوى الدائمة من "مرشح الضرورة" الذى يمثل اللهو الخفي، بدعوى حملته غير التقليدية. الشكوى تدور تارة أن الدولة، بأجهزتها، تقوم بمساندة مرشح الضرورة وترويجه، وتارة أخرى، بالإشارة المباشرة وغير المباشرة، بأن مرشح الضرورة يتبنى أساليب لا أخلاقية، في العملية التي تتعلق بتوكيلات الترشيح. وأخطر من هذا كله أن يبرر ذلك بقوله إنه، في ظل هذا النظام الذي لا يجيد توزيع الثروة في مسار للعدالة الاجتماعية، فإن هذه الأموال التي تعطى من أجل عمل هذه التوكيلات حلال على الفقراء، حتى يمكنهم، على حد قوله، أن يستفيدوا من هذا الموسم. هل تجدون في هذا التبرير، والتمرير لهذا التغرير والتزوير الذي يؤكد عليه "المرشح رغم أنفه"، ويلتمس المبررات لقبول ذلك، من دون أن يعتبره عملاً غير مشروع، يجب أن يدخل في نطاق المساءلة والمحاسبة، إن كان يخوض، بحق، معركة انتخابية حقيقية، وأن يتلمس في عمله، واحتجاجه، واتهامه كل طريق ٍ، يتعلق بالسياقات القانونية والمحددة في قانون انتخابات الرئاسة، أو الطعن عليها، قبل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. ... قاطعوا إنها المهزلة.
وفي هذا المقام، نؤكد أن قبول المرشح "المرشح رغم أنفه" أن يقوم بدور المحلل، أو الكومبارس، وهو يعلم بهزليتها وعمليات تزويرها، إنما يعبر، في حقيقة الأمر، عن حالة من حالات الإقبال على الانتحار السياسي، بدخوله هذه المهزلة الانتخابية، واستمراره إلى نهايتها، بما يشكل، في حقيقة الأمر، نهاية لمسيرته السياسية، لا يمكن أن يتفاداها، أو يتحاشاها.
هذه إرهاصات مهمة في المسرحية الهزلية للانتخابات الرئاسية، لا نملك معها إلا أن نقول: قاطعوا إنها المهزلة.
0 التعليقات:
Post a Comment