دعنى أحكى لك قصة ..
فى عام 1932 .. تفشى نوع جديد من الأمراض فى العالم .. وباء لا يعرف عنه أحد أى شىء ولم يفهم طبيب واحد ما الذى يجرى .. تسبب فى موت الملايين خصوصًا فى المناطق الحارة فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية ..
بعد خمس سنوات .. أتى طبيب ومتخصص فيروسات يدعى ماكس تيلر وقرر أن يتصدى للفيروس " الذى لا يعرف أحد أنه فيروس بعد " .. وبعد فيلم طويل يستحق أن يُسجل اكتشف اللقاح المضاد وأنقذ الملايين حرفيًا من الموت .. وبعد أن أنتجت شركات الأدوية عقاره نال نوبل فى الطب عن مُجمل أبحاثه فى 1951 ..
هل أعجبتك ؟
هذه قصة تقليدية وتستخدم فى التنمية البشرية .. ألقها وراء ظهرك الآن !
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سأحكى لك قصة أخرى .. هذه المرة احبس أنفاسك فستحتاجها بعد قليل !
فى أكتوبر 2013 اكتشفت وحدة ( مكافحة الأنفاق ) الأمنية التابعة لجيش الاحتلال الصهيونى أحد أعقد وأطول الأنفاق التى بناها بشر .. فرح المجتمع الإسرائيلى بهذا الإنجاز، لكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عرفت حجم المصيبة التى وقعوا فيها ..
مساء الأحد، 13 أكتوبر 2013 نشرت يديعوت أحرونوت تقريرًا مسائيًا عاجلًا على موقعها على الشبكة يشرح تفاصيل النفق المكتشف وتصريحات المسئولين الإسرائيليين عنه .. حسنًا .. بعد التقرير فهم الجميع لماذا أصيب الإسرائيليون بالجنون !
النفق يمتد من قرية ب " عبسان " شرق خان يونس، وينتهى بداخل مستوطنة العين الثالثة .. بمسافة تقترب من ال 300 متر داخل الأراضى المحتلة فقط .. وبطول كُلى ( 2500 متر ) !
لم تخطىء القراءة .. النفق امتد ل 2 كيلومتر ونصف بالفعل .. وتراوح عمقه بين ال 18 وال 22 مترًا تحت الأرض .. نتكلم هنا عن إرتفاع بناء من خمسة طوابق تقريبًا .. وعانى جيش الإحتلال الأمرين بعد الإستعانة بمجموعات هندسية كاملة وفحص جغرافى شامل للمنطقة ليستطيعوا الوصول إليه واكتشافه .. بعد خداع حفارى القسام للمجسات الأمنية المنتشرة ودوريات الطائرات بدون طيار على مدار الساعة ..
ابق معى .. الآن .. نعطى الكلمة لدكتور هشام المغارى، أستاذ الدراسات الأمنية بأكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية والإستراتيجية .. والذى وضح حجم المعجزة حينها بالأرقام ..
قُدر عرض النفق ب 1.2 مترًا وارتفاع بلغ 2.2 مترًا .. بحجم إجمالى 6600 مترًا مكعبًا .. كمية الرمال التى أخرجت من النفق تعادل ملء 365 شاحنة كبيرة .. ولأن الفلسطينيين ليست لديهم رفاهية الشاحنات، فقد عادلت كمية الحفر تقريبًا 660 ألف دلو، مليون إلا ثلث تقريبًا ..
لو كان المقاوم يحمل عشرة دلاء فى كل مرة ذهابًا وإيابًا بواسطة آلة ميكانيكية بسيطة، فهذا معناه إجمالى مسافات قُطعت لإخراج الرمال من جهة خان يونس طبعًا قدرها 165 ألف كيلو متر .. ما يعادل طول البحر الأحمر ( 80 مرة ) .. أو المسافة بين رفح والقاهرة ( 400 مرة ) !
استخدم المقاومون فى البناء 15 ألف بلاطة خرسانية من القطع الكبير .. إجمالى مسافات نقل هذه البلاطات بلغ 18 ألف كيلو مترًا ( طول البحر الأحمر 18 مرة ) !
النكتة، أن كل ذلك تم بناؤه بأسمنت جيد النوع فعلًا ( 800 طن حسب تقرير إسرائيلى وبتكلفة قدرها 10 ملايين دولار ) .. وعندما عرف الإسرائيليون ذلك قرروا وقف إدخال مواد البناء _ أى ذرة مواد مهما كانت _ للقطاع ..
الأسمنت الإسرائيلى .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هل تذكر أواخر الحرب العالمية الثانية ؟ .. ألقت حينها الولايات المتحدة قنبلتين جديدتين _ بعد نهاية الحرب فعليًا _ لمجرد الإختبار وارسال الرسالة الواضحة ( نحن سادة العالم ) ..
القنبلتان كانتا فتحًا جديدًا فى عالم الأسلحة .. قنابل نووية تستطيع الواحدة قتل ملايين البشر .. شىء وضع الولايات المتحدة بمفرده على قمة العالم مباشرة لعقد على الأقل ..
حسنًا .. النيران الإغريقية شىء شبيه بذلك !
فى العصور الوسطى وما قبلها عانى المسلمون الأمرين فى إنهاء التفوق البيزنطى الكاسح بحريًا .. كان المسلمون على الأرض فرسانًا الفرد المقاتل منهم بعشرة على الأقل .. لكن فى البحر القدرات القتالية لا تفيد .. لأن البيزنطيين امتلكوا سلاحًا للدمار الشامل ..
يخرج أسطول ما لحصار القسطنطينية، تقابله السفن البيزنطية، ساعات قلائل ثم تتحول سفن المسلمين لأشلاء خشبية طافية .. ببساطة كهذه ..
كل سُفن البيزنطيين كانت مزودة بمدفع فى الأمام يلقى بمادة حارقة على السفن المهاجمة .. مادة متى لامست الماء زادها الماء إشتعالًا .. لا أحد يعرف ما هى .. لا أحد يعرف تركيبها .. والكل يرى نتائجها السريعة الساحقة ..
بعد معاناة دامت أربعة قرون مع أول استخدام لها وسرية شديدة أحاطها بها كل إمبراطور أتى .. عرف المسلمون تركيبة المادة، كان بإمكانهم أن يكتفوا بذلك، لكنهم طوروها لينتجوا سلاحًا خاصًا بهم .. أول سلاح دمار شامل إسلامى .. وكان ذلك من أهم أسباب هزيمة أسطول القسطنطينية البحرى وفتحها فيما بعد .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والآن .. بعد كل ذلك .. هل مازلت تتذكر ماكس تيلر ؟ .. هناك تفصيلة واحدة لم أكتبها بعد ..
أجرى ماكس عدة تجارب ليصل للقاح .. تجارب استهلكته وقتيًا ونفسيًا تمامًا .. تجاربه كانت على الفئران .. كم تجربة ؟ .. 10 ؟ .. 25 ؟ .. 57 مثلًا ؟
99 تجربة .. وفى المائة نجحت التجربة ووصل للقاح ..
بعد ذلك خرج بيل جيتس مع بول آلان ليؤسسا عملاق البرمجيات العالمى ( مايكروسوفت ) .. وأسس ستيف جوبز الشركة الأكثر تقدمًا فى العالم ( آبل ) .. ماذا عن مارك زوكربيرج والكوكب الكامل الذى أنشأه من لا شىء تقريبًا Facebook ؟ .. أو لارى وسيرجى اللذان وضعا أسس شىء لا يستغنى عنه أحد على الأرض فكانت Google .. أو سايجل وجوردان وجيرى وقصة ستارباكس الشهيرة ..
لماذا تنجح سبوبة التنمية البشرية دائمًا ؟
لأنه لا أحد يعطيك التفاصيل، تعمل النسبة العظمى من مدربى التنمية البشرية بمبدأ ( الشيطان يكمن فى التفاصيل ) .. هو يعطيك النتيجة النهائية فقط والتى هى بمثابة مخدر عالى الكفاءة .. نشوة الهيروين بدون أضراره الطبية والعصبية .. يعطيك نهاية الطريق السعيد بدون أن يعرض عليك الطريق نفسه المملوء بالحوادث ..
للتنمية البشرية جناحان .. جناح الحداثة الذى يركز على قصص النجاح الغربية العظيمة .. شخص بدأ من الصفر والآن يحكم نصف العالم .. شخص كان معه سنتًا ثم ضاع منه ثم الآن يمتلك 4 مليارات دولار .. ماكس اكتشف اللقاح ونال نوبل .. محفوظ وصل للعالمية وهو فى مصر .. وهكذا .. كيف نجح ؟ .. كيف وصل أى أحد لما هو فيه ؟ .. كيف حكم نصف العالم ؟ .. صمت ..
وجناح الخلافة الإسلامية .. وهو كليشيه عظيم التخدير ويستخدم الآن بأريحية مطلقة .. لا يهم كيف تأتى الخلافة .. لا يهم بماذا تأتى .. المهم أنها أتت .. وإن أعلن شخص ما بلحية طويلة وحوله مجموعة مسلحة أن الخلافة قامت فقد قامت .. قل آمين ولا تؤذى إخوانك المجاهدين أخى فى الله وأنت قاعد .. وهو إرهاب أتفهمه تمامًا بدافع القابلية العظيمة للإنهزام المُستمر لدى المعظم ..
حتى الآن لم أفهم معنى أن ينتظر الشاب منا معجزة تنتشله مما هو فيه، هناك أشياء لا أستوعبها فعلًا .. قائمة طلبات لا تنتهى يقابلها جهد يساوى صفرًا كبيرًا أو فوق الصفر بواحد على الأكثر .. ودعوات وابتهالات إلى الله ليلًا ونهارًا وسرًا وجهرًا بالتفوق والنجاح والسفر للمريخ لقضاء أجازة هناك .. ثم لا شىء .. فراغ تام .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم حماس والمقاومة _ خير جنود الله فى الأرض حاليًا _ نمطًا دقيقًا جدًا عن كيفية صنع كل شىء من لا شىء حرفيًا " بتعبير Ahmad " .. وفهمًا فى منتهى الذكاء لمعنى الخلافة وكيفية إقامتها .. واستيعابًا مدهشًا للمسارات المتوازية بينما يقبع 99.99 من المسلمين أسرى عقلية المسار الواحد والألوان الواحدة .. أبيض أو أسود ..
تقدم حماس علمًا لشبابها، وتأهيلًا فكريًا على أرفع مستوى، وبجوار ذلك تنمى قوة تحمى المنجزات المتوالية، تعتمد على صناعتها وخاماتها ومحليتها فى مواجهة نصف الكوكب عسكريًا وإقتصاديًا على الأقل ..
ولأن حماس يفهمون الخلافة .. فقد نجحوا ..
الخلافة ليست فى أى مكان آخر .. الخلافة فى غزة .. والخلافة لمن يعملون بعملها لا بمن يشجعون كل مسلح كلاعب كرة قدم ..
أقم الخلافة فى نفسك أولًا ..
0 التعليقات:
Post a Comment