أمس نشرت بعض الصحف المصرية ان قنبلة صوتية بدائية الصنع انفجرت بالقرب من كنيسة الله الانجيلية بمدينة المنيا. وقبل ذلك بخمسة أيام (فى 2/10) نشرت الصحف خبرين مماثلين، عن قنبلتين بدائيتى الصنع، واحدة انفجرت أمام فرع البحث الجنائى بمدينة المحلة الكبرى، والثانية تم اكتشافها قبل الانفجار بجوار قسم أول شرطة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية. وذكر مراسل قناة «سكاى نيوز» ان سبع قنابل من ذلك النوع تم تفجيرها خلال الشهر الأخير. ولم يكن ذلك مفاجئا تماما، لأن مسألة القنابل بدائية الصنع تكررت حتى أصبحت ظاهرة تستحق الرصد والتفكير.

قبل أى كلام فى الموضوع أرجو ألا يخطر على بال أحد أننى أدعو إلى التسامح مع أى عنف يخالف القانون. كما أرجو ألا تخلط بين تبرير الظاهرة وتفسيرها. ذلك ان التبرير دعوة للقبول بالفعل وتسويغه، فى حين أن التفسير يحاول أن يتقصى جذور الفعل لفهم العوامل الكامنة وراءه، ومن ثم التعامل معها لكى لا تتكرر سلبيات الفعل بعد ذلك.

ان أول ما يخطر على البال حين يقرأ المرء خبرا عن قنبلة بدائية تم اكتشافها أو انفجرت فى مكان ما ان الذين أعدوها هواة وليسوا محترفين، بمعنى أنهم محدثون فى ذلك المجال ولم يسبق لهم التعلم أو التدريب أو ممارسة الفعل بأى صورة. وهو ما يسوغ لى أن أقول إنهم ليسوا إرهابيين، ولكنهم إرهابيون تحت التمرين، أومجرد ملتحقين بسنة أولى إرهاب، إذا استخدمنا التعبير الشائع.

فى هذه الحالة فإن التحقيق الذى يجرى معهم يفترض أن يتحرى خلفياتهم، بحيث لا يكتفى بتجريمهم والبحث عن شركائهم والأدوات التى استخدموها لارتكاب الجريمة. وانما ينبغى أن يتحرى الدوافع التى ألجأتهم إلى ذلك، والأهداف التى أرادوا تحقيقها بفعلهم. فقد يكون هؤلاء مخربين أرادوا أن يستغلوا الأجواء الراهنة لإشاعة قدر من الفوضى فى البلد. وقد يكونون من الأعضاء الجدد فى المنظمات الإرهابية التى ظهرت فى الساحة المصرية مؤخرا، مثل أنصار بيت المقدس وأجناد مصر. وقد يكونون من أهالى الشهداء الذين قتلوا فى فض اعتصامات شهر أغسطس من العام الماضى. وقد يكونون من أهالى المعتقلين الذين صدرت ضدهم أحكام مشددة أو سجنوا لأشهر عديدة دون أن يلوح أى أمل فى إطلاق سراحهم.

لا اعرف ان جهدا بذل للتحقق من هويات ودوافع الأشخاص الذين يلجأون إلى القنابل البدائية، لأن التصريحات الرسمية والتقارير الإعلامية تكتفى بوصفهم إرهابيين. وهو الوصف الذى ينطبق على الفعل، لكنه لا ينطبق بالضرورة على الأفراد. لأنهم إذا كانوا إرهابيين حقا لجاء أداؤهم مختلفا تماما. وأخشى ما أخشاه أن نكون بتجاهلنا لخلفيات ودوافع هؤلاء الأشخاص ان نحولهم من إرهابيين تحت التمرين إلى إرهابيين حقيقيين، ومن ثم نحولهم من خطر محتمل إلى خطر حالى، وان نشجعهم من حيث لا نحتسب على تطوير قدراتهم، بحيث يرفعون من كفاءتهم ويحاولون تلقى الدروس التى تساعدهم على اتقان صنع العبوات المتفجرة بدلا من الاكتفاء بصفحات الإنترنت وخبرات الهواة.

لست فى موقف يسمح لى بالتعرف على خلفيات الأشخاص الذين يعدون القنابل البدائية، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الظاهرة جديدة على مصر، وانها وليدة السنة التى اعقبت عزل الدكتور محمد مرسى فى الثالث من شهر يوليو 2013. وهو ما يستدعى السؤال التالى: هل من المحتمل أن تكون هناك علاقة بين ضحايا تلك المرحلة وبين صناع القنابل البدائية؟ ذلك انه خلال تلك الفترة قتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص حسب تقرير المراكز الحقوقية المستقلة (ويكى ثورة مثلا) ــ وحسب توثيق «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» فإن عدد المعتقلين فى السجون المعروفة الآن 28 ألفا و300 شخص ــ وقد صدرت أحكام بإعدام 1107 منهم، إلا أن المفتى وافق على إعدام 350. أما الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد فعددهم يتراوح بين 1800 و2000 شخص. ونقرأ على مواقع التواصل الاجتماعى تقارير شبه يومية عن المظالم التى تعرضوا لها. الأمر الذى دفع نحو 150 معتقلا منهم للإضراب عن الطعام، ومن المضربين من ساءت حالته حتى أشرفت على الموت. وهذا الأسبوع تحدثت «هيومان رايتس مونيتور» عن ان 95 شخصا من المعتقلين ماتوا تحت التعذيب خلال العام الأخير.

استحضار هذه الخلفية مهم لأنها تنبهنا إلى ان ضحايا السنة التى مرت ليسوا أفرادا فحسب، ولكن هؤلاء لهم عائلات عانت مثلهم ودفعوا ثمن المظلومية مضاعفا. ولا يستغرب من هؤلاء ان يستشعروا النقمة والبغض وان يفكروا فى الانتقام والثأر. لذلك فإننى لا أستبعد ان يكون بعض هؤلاء الذين ينثرون القنابل البدائية هم من أهالى الضحايا الذين لم ينسوا ما حل بذويهم وأرداوا توصيل رسالة ثأرهم وغضبهم إلى السلطة.

ليس عندى ما يؤيد هذا الذى أدعيه. وربما ساعدنا التعرف على خلفيات الجناة فى حوادث القنابل البداية على تأييد ذلك الظن أو تكذيبه. وفى كل الحالات يظل العدل هو الحل، من حيث انه السبيل الوحيد لتبديد الشعور بالمظلومية وامتصاص البغض والرغبة فى الثأر. والعدل الذى أعنيه هو ذلك الذى يقوم على الثقة فى نزاهة القضاء واستقلاله. ولا مفر من الاعتراف بأن هذه الثقة اهتزت خلال أشهر التوتر التى خلت، بحيث صرنا بحاجة لبذل جهد خاص لاستعادتها. وهو تقدير إذا صح فهو يعنى أن القنابل البدائية تبعث إلينا برسالة تنبهنا إلى إعادة التفكير بشكل جاد فى الكيفية التى نرد بها الاعتبار لقيمة العدل فى مصر، إلى جانب الإصرار على محاسبة الذين يزرعون القنابل البدائية وغير البدائية فى أنحاء البلاد.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -