1-

يستغرب الناس دوماً من سيطرة المنايفة على مفاصل الدولة والجيش والوزارات وحتى الشركات ووسائل الإعلام، لكن أحداً لم يسأل نفسه يوماً: لماذا يحدث ذلك؟

تقع المنوفية على بعد 60 كيلو متراً فقط من العاصمة ورغم ذلك تعاني من نقص في كل شيء، في التنمية والخدمات وفرص العمل وتزيد معدلات الفقر فيها بطريقة تجعلها إحدى أفقر محافظات مصر.

في قرى المنوفية شوارع لا يتجاوز عرضها المتر الواحد، يشرب أهلها المياه الجوفية حتى أكلت أكبادهم، يعيشون في بيوت من الطوب اللبن، وكثير منها آيل للسقوط، يعملون في الزراعة التي تدر عليهم جنيهات معدودة يومياً، ينظرون يميناً ويساراً فلا يجدون أي أمل للنجاة سوى بالمراهنة على نجاح أحد أبنائهم وانتقاله للعمل في القاهرة ومساعدتهم من هناك أو على الأقل مساعدة نفسه في النجاة من الحياة التي يعيشونها.

تضغط الأسرة نفقاتها لأكثر درجة ممكنة لتستطيع الإنفاق على ابنها، وهو هناك لا يتطلب الكثير من النفقات، فقط مصروفات المدرسة الحكومية والملابس والكراسات والأقلام، المتطلبات البدائية لأي مدرسة، أما الدروس الخصوصية والكتب الخارجية والمراجعات النهائية وغيرها فتقدر عليها أسرة وتستغني عنها أخرى حسب ظروف وقدرة كل منها، وتبدأ رحلة التلميذ في المدرسة، وإما أن يواصل مسيرته فيها حتى يحصل علي شهادة عليا وإما أن يفشل فيجلس إلى جوار أسرته ويعيش حياتها إلى الأبد.

ينجح الناس في المنوفية ببساطة لأنه ليس هناك بديل.

2-
«طب المنوفية في المقدمة» كنت أرى هذا المناشيت يتصدر الصحف سنوياً في صباح يوم ظهور نتيجة التنسيق، كنت أستغرب ذلك لأن كلية طب المنوفية لا تحظى بسمعة جيدة كالتي تحظى بها طب عين شمس أو طب المنصورة، وعندما بدأت عملي في الصحافة قبل 10 سنوات قابلت عميد طب المنوفية فسألته نفس السؤال: لماذا طب المنوفية دوماً في مقدمة التنسيق على مستوى الجمهورية، رغم أن هناك عدة كليات طب أكثر منها شهرة وأفضل منها سمعة؟

قال العميد إننا عندما نفحص مجموع طلاب الثانوية العامة نجد المئات منهم يتجاوز مجموعهم الـ98%، لذلك نصعد بتنسيق الكلية لأقصى درجة ممكنة حتى يقل عدد من يمكنهم دخولها بما يتوافق مع الطاقة الاستيعابية للكلية، فيما يستطيع الطالب الحاصل علي مجموع أقل من المطلوب أن يلتحق بأي كلية طب أخرى.

عندما يحصل الشاب المنوفي على الليسانس أو البكالوريوس يتوجه إلى القاهرة للبحث عن عمل، وبينما يضع قدمه في العاصمة لأول مرة ويتطلع للحياة المختلفة فيها يقرر أنه لن يعود إلى بلده إلا زائراً، وإذا كان السبيل إلى ذلك أن ينجح في العلم، فلينجح في العمل وبأي ثمن.

المنوفي منفذ جيد لتعليمات الرؤساء دون زيادة أو نقصان، ويفعل ذلك غالباً دون مناقشة أو ممانعة، وهذا هو النموذج المفضل لأي مدير وأي صاحب عمل في بلد مثل مصر، الطاعة فيها مقدمة على الإبداع، والمناقشة فيها إهدار للوقت، لذلك يتم تصعيده في العمل سريعاً، ويكرهه أقرانه دوماً لأنهم يرونه أحق بمكانه ويستكثرون عليه وضعه.

يقولون دوماً إن المنوفي بخيل، وفي التراث الشعبي مئات النكات التي تتندر على بخل المنايفة، رغم أنه لا يبدو طبعاً أصيلاً فيهم، المنوفي فلاح – هي ليست شتيمة بالمناسبة – والفلاح يبيع المحصول ثم يعيش علي إيراده عدة أشهر وينفق من هذا الإيراد أيضاً على المحصول الجديد، وهذا يتطلب إنفاقاً رشيداً ومدروساً حتى يكفي عائد المحصول متطلبات الحياة لحين بيع المحصول الجديد، هذا هو طبع المنايفة بوجه عام بالنظر إلى ثقافتهم الزراعية، لا يضعون قرشاً في غير مكانه ويخافون من تقلبات الزمن التي هي كتقلبات الجو والأرض.

3-
أخرجت 3 مراكز مختلفة من مراكز المنوفية رؤساء جمهورية، في كل قرية بالمحافظة تقريباً وزير سابق أو رئيس حكومة، في كل شارع بها شخص ناجح بدرجة ما في مكان ما، لذلك يجد تلميذ الابتدائي بالقرب منه نموذجاً ناجحاً يريد أن يكون مثله، شخصاً عاش ظروفه نفسها، وبالتعليم والعمل أصبح شخصاً ذا حيثية، فيركز هو أيضاً في التعليم والعمل حتى يلتقيه قريباً في القاهرة.

سيبقى أبناء الأقاليم يزاحمون أبناء القاهرة ما دامت أقاليمهم في الدلتا والصعيد تعيش في القرون الوسطى، للعاصمة المال والخدمات وفرص العمل، وللأقاليم الأخرى الفقر والتجاهل والإهمال، قبل أن تلوموهم على ترك بلادهم تخيلوا حالهم لو بقوا فيها، وقبل أن تطلقوا النكات على المنايفة تعلموا منهم.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -