بعد فوات الأوان
لم يكن ليُصدِّق أن "العباية" التي كانت مثاراً دائماً لتندّره، على إدمان أمه ارتداءها، وكأنها لا تمتلك غيرها، ستتحول، بعد ذلك، إلى مصدرٍ لحُزنٍ لا ينقطع، حُزنٍ أربكه، وجعله لا يدري كيف يتصرف فيها، فلا هو راغب في الاحتفاظ بها، ولا هو قادر على التخلص منها، حُزنٍ بدأ انفجاره في ذلك اليوم الذي عادت فيه "العباية" من "الدراي كلين"، لتجد أن صاحبتها قد ماتت.
....
إلى جوار الحبيب
أدركت أنني احتللت مكاناً مميزاً في قائمة المحبين البُلهاء، وأنني، أخيراً، حطمت رقمي القياسي السابق في الهطل العاطفي، حين ضبطت نفسي أكاد أطير من الفرحة، بعد أن رأيت اسمها يجاور اسمي، في قائمة الذين ضغطوا "لايك"، على هراء كتبه صديق مشترك، وإن كنت لا ترى ذلك بلاهة عاطفية، فلعلي لم أخبرك بعد أنني قمت بالتقاط "سكرين شوت" لاسمينا المتجاورين أسفل البوست، لأحتفظ بتلك اللحظة إلى الأبد، لعلها تعوض خيبة أملي في أن اسمينا لم يتجاورا أبداً في دعوة زفاف.
....
حلم على القد
كانت حريصة على أن تمر ليلتها بسلام، لم تكن مستعدة لمزيد من البكاء الذي أجهدها في الليالي الماضية. أخذت كل احتياطاتها جيداً، بعد أن نام ابنها في موعده المثالي. اختارت وجبة مشبعة، لا تدفع إلى الشعور بالذنب، دفنت نفسها في ركام أوراق أحضرتها خصيصاً من المكتب، اختارت قائمة أغانٍ منزوعة الشجن، أجبرت نفسها على عدم تشغيل التلفزيون، قطعت علاقة كمبيوترها بالإنترنت، لكن كل حصونها الدفاعية انهارت، في نهاية مكالمة طويلة مع صديقتها المقربة التي أصرت على أن تطمئن عليها، سألتها صديقتها: "أنا هاقوم أصلي ركعتين.. تحبي أدعي لك بإيه غير إن ربنا يكفيكي شر الرجالة"، ردت ضاحكة: "ادعيلي بس الياسمينة تطرح عشان اتأخرت كتير.. والله لو طرحت هافرح ساعتها بجد"، وما جعلها تبكي، بحرقة، بعد نهاية المكالمة، أنها أدركت أن أقرب فرحة ممكنة التحقق في حياتها لن تأتي إلا من تلك الياسمينة.
....
شرف المحاولة
كنا نقف عند عم سيد الطعمجي، والجهامة تسود وجوهنا، بسبب قرفنا من الزحام وبطء الإنجاز، عندما دخل علينا ذلك الرجل الذي بدا متهلل الأسارير، بصورة مستفزة، لينهال على عم سيد بتصبيحات مرحة ومجاملات ضاحكة، بدا أنه اجتهد في صياغتها، لتكون مبهجة لعم سيد، قبل أن ينهي وصلته، قائلاً "والنبي يا عم سيد بنص جنيه طعمية بس مشيني الأول عشان مستعجل الله يبارك لك". كل ما قاله لم يعن شيئاً لعم سيد الذي شخط فيه، طالباً منه أن يلتزم بدوره، ثم علّق على وصلة مجاملاته بقوله: "وبعدين أنا مش فاهم إنت رايق على إيه أساساً في الأيام دي"، ليقف الرجل مكبوساً ومتجهماً مثلنا، وأنا قررت أن أتضامن معه، بالتنازل له عن دوري، فقد كان هذا ما أملكه، للتضامن مع من ما زال يعتقد بأن هناك جدوى للبهجة.
...
والنهي عن المنكر
عاد الخوف ثانية لكي يتملكها، ها هي من جديد تغلق شباك سيارتها المجاور لها بإحكام، وتتحفز لكل مقترب من سيارتها، منتظرة أن يخرق أحد خصوصياتها، فيبادر إلى أمرها بالمعروف، فتبادر هي إلى عمل المنكر معه، على حد تعبير ساخر لصديقتها "الأنتيم"، وبعد أسبوع كامل مليء بالتجارب، اكتشفت أن حظها كان مختلفاً عن باقي صديقاتها، فكل من اقتربوا من مساحتها الشخصية لم يكونوا ناهين عن المنكر، بل كانوا محاولين لارتكابه بشراسة.
....
سؤال ختامي
كانت تبدو للجميع، طوال اللقاء، مبتهجة وراضية بحياتها التي أنجزت فيها الكثير، وحين سألها المذيع سؤاله الروتيني الأخير "في ختام حلقتنا عايز أسأل حضرتك: نِفسك في إيه دلوقتي؟"، لم تقل كلاماً تقليدياً عن أملها في أن يعم السلام أرجاء البلاد، أو يحفظ الله الوطن، وما إلى ذلك من كلام يتمناه بعضهم، وهم يعلمون أنه لن يتحقق. إجابتها كانت مفاجئة، نظرت إلى الكاميرا وقالت بشفتين مرتعشتين "نفسي في حضن ماما بس كده"، ثم انخرطت في بكاء مرير، ولأنها ربما تصورت أن بعضهم سيجد بكاءها مبالغاً فيه، بالنسبة لسيدة على مشارف الستين، أوقفت بكاءها لحظات، ورددت مثلاً شعبياً لم تنسه منذ سمعته من دادتها، وهي طفلة: "اللي من غير أُمّ حالته تغُمّ".
0 التعليقات:
Post a Comment