حددت ورقة بحثية صادرة عن مركز عمران للدراسات السياسية، 5 محاور رئيسية دفعت مصر وروسيا إلى التقارب السياسي والعسكري، بعد أحداث 30 يونيو، مؤكدة أنَّ التقارب اعتمد على المصالح المشتركة بين البلدين.

وتحت عنوان "التقارب المصري الروسي ومآلاته"، فندت ورقة المركز البحثية، مؤشرات التقارب المصري الروسي، والركائز التي اعتمدت عليها كلا الدولتين في عملية التقارب.


وقالت الدراسة إنَّ "مؤشرات التقارب الروسي المصري كثيرة ومتنوعة ما بين تصريح يؤكد الرغبة في تفعيل العلاقات، وزيارات متتالية لكبار المسؤولين منها: إعلان الرئيس الروسي بوتين استعداد بلاده التحضير لمناورة مشتركة مع الجيش المصري، ردا على إلغاء الولايات المتحدة مناوراتها مع الجيش المصري "النجم الساطع"، مما يعكس تلهفا روسيا لملء أي فراغ أمريكي ناشئ في بنية حلفائها.


وتابعت الدراسة أنَّ عدم تطرق الرئيس الروسي إلى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ولا الإعدام على جماعة الإخوان المصرية كما فعل القادة والساسة الغربيون، يعتبر تضامنا مع السلوك السياسي للقيادة العسكرية.

واستطردت: وصول الطراد الروسي "فارياج" لميناء الإسكندرية 11/11/2013، حيث استقبله قائد القوات البحرية المصري، وهي الزيارة الأولة من نوعها لطراد روسي لميناء مصري منذ عقود، الذي اعتبر رسالة رمزية لطبيعة هذا التقارب، بالإضافة إلى زيارة أمنيين وعسكريين روس إلى القاهرة قبل الزيارة الرسمية للرئيس بوتين، تنبؤ بطبيعة الاتفاقات المتوقعة والتي تتسم بالأبعاد العسكرية بالدرجة الأولى.

وفي المقابل، أكدت الدراسة أن زيارة عبد الفتاح السيسي الأولى إلى موسكو (حين كان وزيرا للدفاع) قبيل بدء الانتخابات الرئاسية، ومعه وفد عسكري رفيع المستوى، ومنحه أرفع وسام عسكري روسي بالإضافة إلى قيام القيادة الروسية بإقامة معرض لبعض المنتجات العسكرية في مطار مدينة "سوتشي لهو"، دليل دعم روسي لضيفه المصري لخوض تلك الانتخابات.

كما أن زيارة السيسي الثانية (حينما أضحى رئيسا لمصر)، وهي الزيارة الدولية الأولى للرئيس المصري خارج إطار المنطقة العربية، واستقبلته خلالها المقاتلات الحربية بمجرد دخوله الأجواء الجوية الروسية في رسالة رمزية أخرى عكست طبيعة النقلة النوعية المنتظرة من قبل الجانبيين، بما مهد الطريق لعقد صفقة عسكرية كبيرة بين الدولتين.

دوافع التقارب

1- يبدو أن الدوافع الروسية في هذا التقارب تنبع من رغبتها في توسيع هوامش خياراتها السياسية وكسر جليد العزلة الدولية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها موسكو، كما أن دعم قدرات مصر المختلفة والتعاون معها استخباراتيا سيحد من انتقال تيارات العنف والإرهاب إلى شمال القوقاز وغيره من الأقاليم المسلمة في روسيا، فضلا عن الحاجة إلى تمتع قطعها البحرية بمزايا جيوبولتيكية تتسم بها الموانئ المصرية (خصوصًا الإسكندرية ومرسى مطروح) بالإضافة إلى تعزيز قدرات روسيا العسكرية في المياه الدافئة المحصورة حاليا في قاعدة طرطوس العسكرية فقط.

2- كما تنطلق إدارة السيسي من ذات الرغبة في سبيل تدعيم العلاقات مع الفاعل الروسي الذي تعتبره خيارا يحقق لها الفاعلية الإقليمية ناهيك عن كونه حليف له يمتلك "حق النقض" في مجلس الأمن الدولي وقدرته على توظيفه فيما يخدم طموحاته السياسية والتي تتجلى في بعض مظاهرها بعدم تمرير قرارات دولية عبر مجلس الأمن تحاصر حلفائه وتحد من فاعليتهم كما كان دأبه الدائم في التعامل مع القرارات الأممية المناهضة والمنددة بسياسة النظام الحاكم في دمشق.

3- كما تنطلق مسوغات التقارب بين البلدين من قاعدة خيارات التحالف البديلة خاصة بعد أحداث ومفرزات الربيع العربي التي انهت التحالفات السياسية التقليدية، وأكلت المحاور الموجود في الإقليم وأحدثت سيولة وتسارعا في حركة المتغيرات الطارئة التي ساهمت في تصادم الفاعلين الإقليميين والدوليين، وفي سبيل تقليل موسكو والقاهرة للخسائر المترتبة من مخرجات الربيع العربي، تحاول كلتا العاصمتين إنشاء تحالف ذي مضامين سياسية وعسكرية لمواجهة ما يحسبونه خطرًا على أنظمة حكمهم والمتمثلة بقوى وجماعات عسكرية، سواء أكانت وطنية أو عابرة للحدود، وإقصائها عن المشهد السياسي عبر ترسيخ عودة الوظائف العسكرية والأمنية للبلدان العربية في مرحلة ما قبل الربيع العربي، فالقيادة الروسية تسير على نهج موحد مع القيادة المصرية الجديدة بشأن النظر إلى جماعة الإخوان المسلمين.

4- وفي سياق آخر يعتبر التقارب المصري الروسي ردة فعل على العلاقات الفاترة مع الولايات المتحدة حيث تعتقد السلطة في مصر أن إدارة أوباما لا تزال غير مسرورة بالتوجه السياسي للنظام الجديد، ويظهر ذلك جليا في مناورة الولايات المتحدة بشأن استئناف المساعدات العسكرية وتجميد الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية الأمريكية، ناهيك عن معارضة واشنطن أساسًا لخارطة الطريق التي أعلنتها القيادة العسكرية إبان عزل محمد مرسي، وفي هذا السياق يهدف هذا التقارب إلى تقليل الفاعلية الأمريكية في شمال أفريقيا، وإرسال رسائل سياسية للولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن تمتين العلاقة مع القاهرة هو خيار يهدف تحسين الكفاءة القتالية للجيش المصري المعتمدة منذ مرحلة السادات على السلاخ الغربي والأمريكي.

5- ومن أبرز نقاط التقارب المشتركة هي تقارب الرؤية السياسية حيال منهجية الحل المفترض للملف السوري، حيث بادرت وزارة خارجية البلدين لعقد لقاءين تشاوريين للمعارضة السورية في مصر وروسيا وهو ما عرف بمنتدي موسكو وتفاهمات القاهرة، والذي أفرز نتيجة موحدة لجبهة الدعوة إلى عقد مؤتمر موسع للمعارضة السورية، وذلك بهدف مشترك هو سحب الغطاء السياسي للمعارضة السورية وتحويلها إلى لجنة متابعة سياسية ذات مهام تفاوضية فيما يتعلق بهيئة حكم انتقالية تنفيذية ذات صلاحيات محدودة فقط، فعلى الرغم من أن الهدف المعلن هو حلحلة القضية السورية وطرح تصورات مغايرة لإنهاء الصراع المسلح عبر حلول سياسية تدفع بعدم استئثار قوى إقليمية بعينها بتوجيه المعارضة السورية، إلا أن البلدين يجعلان من الملف السوري ملفا لتحسين الوضع وضمانا للفاعلية الإقليمية.

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -