هل تعتقد الشعوب المتقدمة فى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفى أوروبا وفى الصين واليابان وفى بعض البلدان الأخرى، أنها تستطيع الحفاظ على استقرارها السياسى ورخائها الاقتصادى والاجتماعى وتطورها العلمى المطرب وبقية شعوب العالم تعانى من أزمات طاحنة لا تنتهى؟
ليست الإشارة هنا إلى بلدان الصراعات المسلحة والحروب الأهلية والنزوح الجماعى للسكان والتهجير القسرى والجرائم ضد الإنسانية وحسب. بل هى تذهب إلى الكثير من بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التى تواجه شعوبها منذ عقود أزمات الفقر وتردى الأوضاع المعيشية وضعف معدلات التنمية المستدامة وغياب التقدم العلمى وارتفاع نسب البطالة بين الشباب والنساء والتهميش المتصاعد للقطاعات السكانية الضعيفة ــ على اختلاف الأسباب المحددة للضعف وتفاوتها بين أسباب ترتبط بتمايزات الهوية الدينية والعرقية وأخرى تتعلق بالتمييز ضد الشباب والنساء والأطفال وثالثة تنتج عن افتقاد بعض المجتمعات إلى العقد الاجتماعى التضامنى الذى يحمى العجائز وكبار السن وذوى القدرات الخاصة ويضبط اختلالات اقتصاديات السوق التى لا تحابى إلا الأقوياء.
ليست الإشارة هنا بعائدة فقط على شعوب البلدان العربية التى تواجه اليوم فى المشرق وفى اليمن وفى جوارنا المباشر فى ليبيا صراعات مسلحة وحروب أهلية وانهيار فى الظروف المعيشية وغياب للأمن فى ظل اختفاء الدولة الوطنية وتوطن الإرهاب واعتياشه على المظالم والانتهاكات المستمرة للحقوق وللحريات وعلى الفقر والجهل والتطرف، ولسنا نحن فى مصر وأشقاء وادى النيل فى السودان ببعيدين تماما عن كل ذلك. بل هى تذهب إلى شعوب مناطق أخرى من باكستان وأفغانستان، حيث الإرهاب المتصل منذ سبعينيات القرن العشرين إلى الشرق والوسط الأفريقيين حيث الحروب الأهلية وتهجير كتل سكانية كبرى والمذابح المروعة منذ ثمانينيات القرن العشرين إلى الغرب الأفريقى حيث انتشار الأوبئة القاتلة التى تسقط الكثير من العجائز والنساء والأطفال وحيث الصراعات المسلحة بين حكومات فاقدة للشرعية وعصابات للإرهاب وعصابات للجريمة المنظمة.
يعجز عقلى عن أن يدرك دوافع تجاهل أغنياء العالم وشعوبه المتقدمة فى الغرب وبعض المناطق الأخرى لكل هذه المعاناة المحيطة بهم، وتوهم أن سياساتهم لدعم التنمية المستدامة بمحدوديتها الجلية وتدخلاتهم العسكرية والأمنية على تداعياتها الكارثية المتراكمة وتوظيفهم للأدوات الدبلوماسية عبر المنظمات الدولية والإقليمية تكفى مجتمعة للإبقاء على "فرص" الشعوب الأخرى فى الوجود والحياة وربما الخروج تدريجيا من أزماتها الطاحنة.
العالم ينفجر حول الأغنياء والشعوب المتقدمة، ينفجر بفعل الفقر والجهل والتطرف وبفعل الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، وليست داعش وعصابات الإرهاب المنضوية تحت لواء وحشيتها ودمويتها سوى التعبير الأكثر جنونا عن هذا. العالم ينفجر من حولهم، وقريبا ستختفى أسواق استيراد منتجات المتقدمين باستثناء السلاح وقريبا لن يجد الأغنياء ملاذات آمنة لسياحتهم وقريبا لن تجد حكومات الأغنياء والشعوب المتقدمة من يتحدثون معها فى مناطق المعاناة للحصول على المواد الخام أو لمنع الهجرة غير الشرعية أو للسيطرة على الأخطار الأمنية والصحية والبيئية التى تهدد العالم كله.
لا أعرف ماذا ينتظرون للبحث عن حلول حقيقية والارتقاء إلى مستوى التحديات والتهديدات المعاصرة للبشرية.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
0 التعليقات:
Post a Comment