في كل مرة تتبنى غالبية الناس رغبة السلطة وأذنابها في رفع شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، ينتهي الأمر بألا صوت يعلو، خالص، سوى أصوات النعيق السلطوي بتوزيعاتها، ذلك النعيق الذي يعلم كل من قرأ التاريخ أنه مهما طال ومهما علا، فإنه يكون النذير الأكيد بخسارة المعركة، أية معركة وكل معركة.
.. يبقى دوري، ككاتب، أن أعبر عن ما أعتقده، حتى لو كنت أؤمن به وحدي، ومن حق الآخرين تجاهلي، أو تخويني، أو شتمي، أو محاولة إسكاتي، كما يحلو لهم، وهم لا يحتاجون توصية لممارسة هذا الحق على أية حال. لست أدعي أن كلماتي ستغير الواقع حتما، ليس لأني يائس، بل لأني واقعي مع حق تقرير الشعوب لمصيرها بحرية، ومن أنصار مذهب "اللي بيشيل سلطة مخرومة بتخر على قفاه"، لكنني أثق، أيضاً، أن الشعوب دائماً ما تهب لتصحيح اختياراتها، عندما تتبدى جلياً أعراضها الجانبية السيئة، يحدث ذلك سريعاً، أحياناً، ويتأخر كثيراً في أحيان أخرى. على الدوام، سأحترم اختيار الشعب، إذا عبر عنه بحرية، لكنني لست ملزما بالتهليل لاختياره، من حق من شاء أن يهلل كما أراد، بل ومن حقه أن يشكك في وطنية من يرفض ذلك التهليل، أو من يسعى إلى إقناع الشعب باختيارات بديلة، فلا التخوين "يلزق"، ولا الشتيمة تنفع الشاتم، أو تضر المشتوم، ولا سعيك إلى جعل الآخرين نسخة بالكربون منك سيوصلك إلى شيء، ولا أكثر الناس سيعقلون قوله تعالى "وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين". لذلك، ليس عليك إلا أن تقول كلمتك وتمضي، حتى تمضي على محضر أقوالك، أو يمضي أهلك على محضر استلام الجثة.
ليس معنى ذلك، أبداً، أن تتعالى على الشعب، فتظن أنك أفضل منه. على العكس، عليك أن تحاول الإبداع في التعبير عن آرائك، لعلها تنجح في تغيير تفكير من تصل إليه. المهم ألا تكون أبدا إمعة، تصفق لكل ما يروج بين الناس، لتحصل على رضاهم، وألا تشاركهم في الدوس على المبادئ، عندما تعم الهستيريا، لكي يقال إنك صاحب شعبية، وألا تساهم في ترويج ضلالاتٍ، تتغنى بعظمة شعبك وتفرده عن باقي الأمم، بدلاً من أن تستمر في مصارحته بعيوبه ومشكلاته، من أجل أن يصبح أفضل حقا وصدقا، لا غناءً وهتشا.
من واجبك، حتى لو دفعت ثمناً باهظاً أن تذكر شعبك بأنه ليس شعب الله المختار، بل هو، كأي شعب آخر، تسري عليه قوانين الكون التي وضعها الله، إذا أحسن تطبيقها أحسن إلى نفسه، وإن أساء تطبيقها أساء إلى نفسه، والله تعالى لم يحكم على شعب بالتخلف الأبدي، بل جعل أسباب التقدم مبذولة لكل مجتهد، من دون أن يخص بها ديناً أو لوناً أو جنسا أو عرقاً. ولذلك، عندما يهاجر مواطن من دولة متخلفة إلى دولة متقدمة، ويأخذ بأسباب التقدم بها يتفوق حتى على غيره من أبناء تلك الدولة الأصليين الذين لا يأخذون بأسباب التقدم.
من واجبك، حتى لو دفعت ثمناً باهظاً أن تذكر شعبك بأنه ليس شعب الله المختار، بل هو، كأي شعب آخر، تسري عليه قوانين الكون التي وضعها الله، إذا أحسن تطبيقها أحسن إلى نفسه، وإن أساء تطبيقها أساء إلى نفسه، والله تعالى لم يحكم على شعب بالتخلف الأبدي، بل جعل أسباب التقدم مبذولة لكل مجتهد، من دون أن يخص بها ديناً أو لوناً أو جنسا أو عرقاً. ولذلك، عندما يهاجر مواطن من دولة متخلفة إلى دولة متقدمة، ويأخذ بأسباب التقدم بها يتفوق حتى على غيره من أبناء تلك الدولة الأصليين الذين لا يأخذون بأسباب التقدم.
لذلك، ليس أمامك إذا كنت مهموماً بالشأن العام، وراغباً في إصلاحه، إلا أن تحاول دائما تكوين رأي متعقل، يبتعد عن "الأفورة" قدر الإمكان، ويستند إلى ثوابت أخلاقية، لا تجعلك تنقلب على عقبيك، كلما تغير مزاج الناس، وألا تثق في تصفيق الناس لك على الدوام، وإلا فانتظر اليوم الذي تلقى فيه مصير جماعة الإخوان التي كانت تؤمن أن الشعب يرقد مطمئناً في جيبها. لذلك، صَمَت وعَمَت عن كل من ذكرها بخيانتها الثورة، ولوعودها الانتخابية، وأصرت واستكبرت استكباراً موقناً أن الشعب سيخرج ليضع روحه على كفيه، فداءً لرئيسها ولقيادتها، وأنت تعرف، الآن، ما الذي وضعه الشعب لها، حين خرج ثائراً عليها قرفاناً منها، ومن الذين يتشددون لها، فلا هي كسبت رضا الشعب، ولا هي حافظت على مبادئ الثورة، ولا حتى على بقائها حية تُرزق، ولا أظنك ترضى لنفسك بمصير بائس كهذا أبدا.
من حقك، طبعاً، أن تعتقد أن من الأسلم إخراس كل من يختلف معك، لكيلا يفسد صوته عليك بهجة الوقوف مع "الشعب الفرحان تحت الراية المنصورة". لكن، إن عاجلا وآجلا، ستنتهي نشوة وهم الصف الواحد، فلو شاء ربك لجعل الناس صفا واحدا، وعندها ستتذكر أن الشعب عندما وافق، في الماضي، على إسكات كل صوت يعترض على طبيعة المعركة وتفاصيلها وقادتها، لم ينته الأمر، في نهاية المطاف، بالشعب فرحانَ، ولا بالراية منصورة.
(مقتطفات من مقال بعنوان (لا صوت يعلو) نشرته بتاريخ 29 أغسطس/آب 2013 وما زال للأسف صالحاً للنشر).
0 التعليقات:
Post a Comment