بلهجة بدوية وملامح حفر عليها الزمن ذكريات الحر والقيظ، يتحدث الرجل عما اعتبره كارثة أنهت على حياته وعلى مستقبل أولاده وأحفاده، بعد أن جرى تجريف مساحة تقارب 25% من مزرعة الزيتون التي يمتلكها بجنوب العريش.. يقول المزارع محمد عباد: "كنت أنتظر موسم الحصاد نهاية كل عام لأجني ما سهرت وتعبت على رعايته من شجر الزيتون".
لكن عياد الذي يمتلك مزرعة على الطريق الرئيسي يعتبرها رأس ماله وكل ما يملك من الدنيا على مساحة 40 فدانًا، ويعيش من دخلها هو وأسرته ويعمل بها أبناؤه الذكور، فقد مزرعته في يوم واحد إلى الأبد.
مأساة عياد تشمل أيضا ابنيه، وهما شابان لديهما زوجات وأبناء، ويعيشون على دخل حصاد المزرعة المجرفة طوال العام.
مجزرة الزيتون
يصف عياد لحظة علمه أن القوات المسلحة تنوي تجريف مزارع الزيتون من على جانبي الطريق الرئيسي الواقع عليه مزرعته في الظهير الزراعي لطريق المطار قائلا: استشعرت وكأن أحدهم قبض على قلبي حتى وصلت روحي الحلقوم.
أخبره مصدر المعلومات أن الجيش قرر إزالة جزء المزارع بعد أن استخدمتها الجماعات الإرهابية ستاراً لتحركاتها، يوضح عياد في حديثه مع "مصر العربية" أن القوات قررت تجريف ما بين 50: 100 متر من على جانبي الطريق الدائري وطريق (العريش-وسط سيناء) وطريق المطار، وهي المناطق التي تعتبرها القوات محور تحركاتها في الحملات الأمنية.
ويكمل عياد: في الشهر الماضي استيقظت على صوت الجرافات وهي تقتلع الاشجار من جذورها، وكان نصيبي تجريف مساحة 10 أفدنة.
وفى قرى الشيخ زويد جلس الحاج سالم المنصوري، يتحدث مع "مصر العربية" عن الخراب الذي أصابه –على حد تعبيره– جراء تجريف ثلثي مساحة والتي تتواجد في شرق قرية "الجورة" بموازاة الشريط الحدودي، مؤكداً أن الزيتون السيناوي من أفخر الأنواع العالمية ويساويه في درجة الجودة الفلسطيني، ويأتي في المرتبة التأليه السوري.
ويشير إلى أن "طرحة" الزيتون السيناوي تباع بالعشر سنوات مقدماً، وفى وسط حديثه الحماسي عن الزيتون، يصمت فجأة المنصوري ويشيح ببصره إلى الفضاء الأصفر أمامه، ثم يكمل حديثه وهو يغالب أمواجًا عاتية من الحزن تجيش بصدره: "كل ده يا ولد كان زمان قبل ما تتبدل الخضرة لصفار لا ينتهي، حتى الصفار سنهجره كما هجرنا الشجر من قبل".
هنا يلتقط جاره عبد الكريم ابو محيسن طرف الحديث، راوياً عن وضعه الذي يختلف نظرياً عن المنصوري، حيث أشار إلى أن المحصول الخاص به لا يبيعه بالمجمل، إنما يباع مُصنّعًا بعد أن يقوم بعصر نصف الكمية وتحويلها إلى زيت، والباقي يقسم إلى نصفين، الأول يتم تخليله والآخر يباع كما هو "قطاعي" في السوق، وهي الطريقة التي تضاعف ثمن الزيتون لكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى جهد مضاعف يستمر لشهور بين العصر والبيع في الأسواق.
وقف حال
ويشير أبو محيسن إلى أن التجريف لم ينعكس فقط على أصحاب المزارع، لكنه أثّر بالسلب كذلك على تجار التجزئة والمستهلكين، لأن الأسعار تضاعفت لنقص المحصول المفترض طرحه في الاسواق الى النصف، كما ان هناك محاصيل لم يتم جنيها حتى الان، لأن عمال جمع الثمار يخشون الخروج في المزارع فيصيبهم الرصاص الطائش من الجانبين.
ويوضح أبو محيسن من يغامر بحياته لقاء يومية 40 جنيهًا، لكن هناك من وافق على العمل لكنه رفع الأجر الى 100 جنيه في اليوم مقابل جنى نصف المساحة التي كان يجمع ثمارها في اليوم مقابل 40 جنيها، وهى من العوامل التي تسببت في رفع الاسعار للضعف ليصل كيلو زيت الزيتون الي 65:80 جنيها بدلاً من 30:45 جنيها قبل التجريف والحرب على الإرهاب، وبالتالي انخفضت نسبة البيع في الاسواق للارتفاع المفاجئ في الاسعار، ما نتج عنه كساد سوق الزيتون ومشتقاته مقارنة بأسعار الزيتون المصدر من الخارج، لأن المواطن لا يدرك فرق الجودة بين النوعين.
ويضيف أبو محسين أن المزارعين بعد حصاد إنتاج هذا العام من الزيتون، أغلبهم لن يقوم بمراعاة أراضيهم ومحاصيلهم هذا العام، تحسباً لأي تطورات أمنية قد ينتج عنها تجريف مزارعهم، ومن جانب آخر أن الأوضاع الأمنية الحالية تعوق مباشراتهم للزراعة.
كما يكشف أبو محيسن أن هناك مئات الأفدنة قام أصحابها بقطع الأشجار وترك الجذور في الأرض، حتى لا تقوم القوات المسلحة بتجريفها من الجذور، على أمل أن يعاودوا الزراعة بعد أن تستقر الأوضاع، موضحاً أن شجرة الزيتون تستغرق 5 سنوات بداية من زراعتها حتى أن تنتج محاصيلها، أما في حالة قطعها والإبقاء على الجذور تعاود النمو والطرح في نصف الفترة "30 شهر".
تعويضات
أما في قرية نجع شيبانة تحدث عبد الحميد حسان الى مصر العربية عن موقف الدولة من تعويض المزارعين، مشيراً إلى أن هناك لجنة من المهندسين الزراعيين التابعين لمديرية الزراعة بشمال سيناء، قاموا بحصر المزارع التي تم تجريفها، والأخرى التي من المحتمل أن يتم اتخاذ نفس الإجراء معها، وعدد الأشجار التي قطعت في كل مزرعة؛ على أن يقدموا تعويضات مالية لأصحاب المزارع وإلى الآن لم تنته اللجنة من حصر المتضررين، وأوضح حسان أن هناك من أصحاب المزارع من يرفضون التعويضات ويطالبون بأراضٍ بديلة يقومون بزراعتها، في المناطق البعيدة عن المواجهات الأمنية بين الدولة والجماعات المسلحة، لضمانة إلا يتم التجريف مرة أخرى لأى أسباب، بعد أن وصل عدد الشجر المجرف إلى 15 ألف شجرة.
رؤية علمية
يقول الدكتور صلاح الأستاذ بكلية العلوم الزراعية بشمال سيناء، إن زراعة الزيتون في سيناء تعتبر من أهم مصادر الدخل المحلى للأهالي، ويعتمد السوق الداخلي في نسبه كبيرة على صناعته ومستخرجاته، إلا أنه في الوقت نفسه لم يصبح المصدر الاكثر ضخاً للزيتون في السوق المصري والسوق التصديري، بعد أن قامت شركات كبرى بزراعة مئات آلاف الأفدنة بالزيتون خارج الحزام الزراعي السيناوي، فهناك إحدى كبار شركات الصناعات الغذائية في العالم، قامت باستصلاح مساحة 150 ألف فدان في طريق "الواحات – 6 أكتوبر" وهناك مثلها العديد من الشركات، لتصل مساحة الأرض المزروعة إلى عشرات أضعاف مثيلتها في سيناء.
إشكالية أمنية
وأكد مصدر أمني بمديرية أمن شمال سيناء، أن عمليات إزالة أشجار الزيتون من المزارع، لم يكن بهدف مضايقة أهالي سيناء البتة، لكنه جاء من ضرورة أمنية ملحة، مشيراً إلى أن العناصر المتطرفة كانت تستخدم بعض هذه المزارع للتحرك المتستر للقيام بعمليات مسلحة ضد الارتكازات الأمنية على الطرق الرئيسية، وكذلك كانت تستخدم الزراعات كمخازن للذخيرة والأسلحة.
وشدد على ان اصحاب المزارع لم يكن بينهم تعاون متعمد مع تلك العناصر، إلا أن الجماعات الارهابية تفرض سيطرتها على الأهالي، بقوة السلاح والترهيب، موضحا أن الإزالة تؤدي إلى شل حركة المسلحين في تنفيذ عملياتهم الإرهابية واستهداف رجال الجيش والشرطة، كما تعطي مجالا أوسع للقوات لمراقبة تحركات العناصر المسلحة من بعد للتعامل معهم قبل الاقتراب من الأكمنة واستهداف أفراد الكمين.
وأشار المصدر إلى أنه في مذبحة "كرم القواديس" كان للزراعات دور كبير في مساعدة المتطرفين الذين استخدموها في الهجوم المفاجئ، وقد أوضح تصوير العملية أن الأفراد استخدمت المزارع في عنصر المفاجئة، حيث اختبئوا على بُعد كيلو متر وسط الزراعات، وبعد أن تم تفجير السيارة المفخخة توجهوا إلى مكان الواقعة للاشتباك المسلح، وكشف المصدر أن المزارع تستخدم على شكل قواعد لإطلاق قذائف الهاون على الأهداف الأمنية والاستراتيجية، حيث يصعب رصد العناصر المهاجمة، سواء بالعين المجردة أو الطيران. مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment